طهر دون شعره، وحكى الربيع بن سليمان الجيزي عن الشافعي أن الشعر تابع للجلد يطهر بدباغه، وامتنع سائر أصحابه من تحريمه، وجعلوه حكاية عن مذهب غيره، وقد مضت هذه المسألة في كتاب الطهارة، وإنما أشرنا إلى جملتها حين أعيدت.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا يأكل المضطر من الميته إلا ما يرد نفسه فيخرج به من الاضطرار. قال في كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة: بهذا أقول. وقال فيه: وما هو بالبين من قبل أن الشيء حلال وحرام فإذا كان حراماً لم يحل منه شيئ وإذا كان حلالاً فقد يحتمل أن لا يحرم منه شيئاً فهو محرم إلا ما أباح منه بصفه فإذا زالت الصفة زالت الاباحه. قال المزني: ولا خلاف أعلمه أن ليس لأ أن يأكل من الميتة وهو بادي الشبع لأنه ليس بمضطر فإذا كان خائفاً على نفسه فمضطر فإذا أكل منها ما يذهب الخوف فقد أمن فارتفع الاضطرار الذي هو علة الإباحة. قل المزني رحمه الله. وإذا ارتفعت العلة ارتفع محكمها ورجع الحكم كما كان قبل الاضطرار وهو تحريم الله عز وجل الميتة على من ليس بمضطر ولو جاز أن يرتفع الاضطرار ولا يرتفع حكمه جاز أن يحدث الإضرار ولا يحدث حكمه وهذا إخلاف القرآن ".
قال في الحاوي: والأصل في إباحة الميتة للمضطر قول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} فأخبر بتحريمها بعد قوله: {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة: 172 ليدل على تخصيص التحريم في عموم الإباحة، فقال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} البقرة: 173 وهو ما فاتت روحه بغير ذكاة من كل ذي نفس سائلة، والدم وهو الجاري من الحيوان يذبح او جرح ولحم الخنزير فيه تأويلان:
أحدهما: أن التحريم مقصور على لحمه دون شحمه اقتصاراً على النص، وهو قول داود.
والثاني: أن التحريم عام في جميعه، وخص النص باللحم تنبها عليه؛ لأنه معظم مقصوده: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} البقرة: 73 يريد بالإحلال: الذبح لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قربوه لألهتهم جهروا بأسماء آلهتهم عند الذبح.
ومن قوله: {لِغَيْرِ اللهِ} تأويلان:
أحدهما: ما ذبح لغير الله من الأصنام، قاله مجاهد.
والثاني: ما ذكر عليه غير اسم الله من الأصنام، قال عطاء، وهو على التأويلين حرام، فانتهى ما ذكره من التحريم، ثم ابتدأ بإباحة ذلك للمضطر فقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} البقرة: 173 ومن {اضْطُرَّ} تأويلان: