والثاني: أن أكل السم حرام والتداوي به متداول، وقيل: إن السقمونيا سم قاتل، ولهذا من استكثر منه في الدواء قتله، ثم يجوز التداوي به كذلك كل حرام. فأما الخبر، فمعناه أن ما فيه شفاؤكم مما حرم عليكم.
فأما شرب الخمر من العطش وللتداوي، فالظاهر من مذهب الشافعي أنه لا يحل شربها من العطش ولا للتداوي، وذهب بعض البغداديين من أصحابه إلى جواز شربها للعطش لا للتداوي، ولأن ضرر العطش عاجل، وضرر الداء آجل وذهب بعض البصريين من أصحابه أن جواز شربها للتداوي دون العطش، لأنها متعينة في الدواء وغير متعينة في العطش.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: يجوز شربها في العطش والتداوي.
والدليل على تحريمها في الحالين ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الخمر داء"ا؛ ولأنها تزيد في العطش ولا تروى؛ ولأنها تحدث من السكر ما يزيل العقل، وتمنع الفرائض، ولأن شربها في أحد الحالين ذريعة إلى شربها مع عدم تلك الحال، لأن الشهوة رغيبة عليها؛ ولذلك حرم إمساكها، ووجب الحدّ على شاربها، وهكذا كل مسكر فهو خمر.
مسألة:
قال الشافعي فيما وضعه بخطه لا أعلمه سمع منه: "إن مر المضطر بنمر أو زرع لم أرَ بأساً أن يأكل ما يرد به جوعه ويرد قيمته ولا أرى لصاحبه منعه فضلاً عنه وخفت أن يكون أعان على قتله إذا خاف عليه بالمنع الموت "
قال في الحاوي: أما غير المضطر إذا مرّ بثمرة غيره على نخلها أو شجرها، لم يحل له أن يأكل منها بغير إذن مالكها سواء كانت بارزة أو من وراء جدار.
وقال بعض أصحاب الحديث: ينادي على الباب ثلاثاً، فإن أجابوه، وإلا دخل، وأكل، ولم يدخر، احتجاجا برواية نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مرّ أحدكم بحائط غيره، فليدخل، فليأكل، ولا يتخذ خبنة " أي: لا يحمل منه شيئا، وهذا المذهب فاسد لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ".
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه، ضروع مواشيكم خزائن طعامكم، أو يحب أحدكم أن يدخل لخربة أخيه، فيأخذ ما فيها بغير إذنه " فنص على ألبان المواشي، ونبه على ثمار النخل، لأن اللبن أسهل: لأنه مستخلف في كل يوم، ومن الثمار ما لا يستخلف إلا من كل عام.