عليه، كما هو حجة على غيره. ومن أصحابنا من قال: يشترط فيه انقراض العصر، وهذا غلط؛ لأن من كان قوله حجة لم يشترط موته في صحته، كالرسول صلى الله عليه وسلم.
فرع آخر
إذا قال واحد من الصحابة قولًا وانتشر في الباقين، وهم من بني قائل به وساكت عن الخلاف فيه، فذلك ضربان: أحدها: أن يظهر الرضا من الساكت كما ظهر النطق من القائل، فهذا إجماع لا يجوز خلافه.
والثاني: أن لا يظهر من الساكت الرضا ولا الكراهة، فهو حجة مقطوع بها، وهل يكون إجماعًا؟ فيه قولان وقيل وجهان:
أحدهما: يكون إجماعًا، وهو قول الأكثرين؛ لأنهم لا يغضون عن المنكر، ولا يسكتون عليه، ولو كان فيهم مخالف لتبعته الدواعي على إظهار خلافه؛ لأنه لا يجوز كتم الشريعة.
الثاني: لا يكون إجماعًا؛ لأن الشافعي - رضي الله عنه - قال: "لا ننسب إلى ساكت قول". وهذا اختلاف في الأعم؛ لأنه لا خلاف أنه حجة يجب إتباعه ويحرم مخالفته قطعًا. وقال داود وجماعة من المتكلمين: 15 ب/ 1 لا يكون حجة، وهذا غلط؛ لأنه يؤدي إلى خلو العصر عن معرفة الحق في الحادثة بخطأ المتكلم وسكوت غيره، وهذا محال.
فرع آخر
يشترط في هذا الذي ذكرنا انقراض العصر عليه حتى يحكم بموته حجة قطعًا أو إجماعًا ما فإنه إن رجع أحدهم يصح رجوعه ويعد خلافه خلافًا. ومن أصحابنا من قال: لا يشترط فيه انقراض العصر كما في الإجماع السابق، وهذا لا يصح؛ لأنه لا يجوز أن يكون في التفكير والتروي، ويؤدي اجتهادهم إلى الخلاف، فإذا انقرضوا ولم يخالفوا انقطع هذا الوهم، وإن ظهر هذا القول من الإمام أو الحاكم، لا يفتات عليه ولا يجوز الاعتراض عليه، والأدب في السكوت عنهن وتفارق الفتيات؛ لأن إظهار الخلاف فيه ليس بافتيات، وهذا هو اختيار ابن أبي هريرة. وقال الأكثرون من أصحابنا بالعراق: لا فرق بين الإمام وغيره في ذلك، وقد نقل عنهم إظهار الخلاف على الإمام، فخالفوا أبا بكر - رضي الله عنه - في الخبر، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في المشركة وغير ذلك. وأظهر ابن عباس
رضي الله عنهما - الخلاف في القول بعد موت عمر، مع أنا اعتبرنا في هذا انقراض العصر، ومحاباة الإمام أو الحاكم يختص بمجلس حكمه دون غيره، وهذا أصح عندي، فعلى هذا القول يصير بمنزلة قوله وحده، هل يترك به القياس؟ قولان: قال أبو إسحاق بعكس هذا، فقال: إن كان قياس لم يكن إجماعًا، وإن كان حكمًا كان انتشاره 16 أ/ 1 منهم وسكوتهم عن الخلاف فيه دليل الإجماع أن الحكم لا يكون إلا من مشورة قطعًا ومطالعة، وبعد نظر ومباحثة.