فإن قيل: بجوازه على القول الثاني، فدليله شيئان:
أحدهما: أن ما صحّ من عقود المعاوضات إذا قابل غير موثوق بالقدرة عليه عند استحقاقه كان من العقود الجائزة دون اللازمة كالجعالة طرداً؛ لأنه لا يثق بالغلبة في السبق والرمي كما لا يثق بوجود الضالة في الجعالة وعكسه الإجارة متى لم يثق بصحة العمل منه لم يصح العقد.
والثاني: أن ما كان إطلاق العوض فيه موجباً لتعجيل استحقاقه كان جائزاً كالجعالة وإطلاق العوض في السبق والرمي لا يوجب التعجيل، فوجب أن يكون جائزاً ولا يكون لازماً، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله:"الخف الإبل والحافر الخيل والنصل كل نصل من سهم أو نشابه ".
قال في الحاوي: وهذا من قول الشافعي تفسير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبق إلا من خف أو حافر أو نصل" مبين أن المراد بالخف الإبل؛ لأنها ذوات أخفاف تعد للطراد، وأن المراد بالحافر الخيل: لأنها ذوات حوافر للكر والفر.
وقال في موضع آخر: إن الحافر الخيل والبغال والحمير؛ لأنها تركب إلى الجياد كالإبل ويلقى عليها العدو كالخيل قد شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرب هوازن على بغلته الشهباء، فصار في الحافر قولان.
فأما النصل، فالمراد به السهم المرمى به عن قوس، وإن كان النصل اسماً لحديدة السهم فالمراد به جميع السهم، فهذه الثلاثة هي التي نص عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواز السبق بها، فاختلف قول الشافعي فيها، فقال: يحتمل معنيين:
أحدهما: أنها رخصة مستثناة من جملة محظورة؛ لأنه أخرج باستثنائه ما خالف حكم أصله، فعلى هذا لا يجوز أن يقاس على هذه الثلاثة غيرها، ويكون السبق مقصوراً على التي تضمنها الخبر، وهي الخف والخف الإبل وحدها، والحافر وفيه قولان:
أحدهما: الخيل وحدها.
والثاني: الخيل والبغال والحمير، والنصل، وهو السهام، ويكون السبق بما عداها محظوراً.
والثاني: في المعنيين أن النصل على الثلاثة أصل، فهذا ورد الشرع ببيانه وليس بمستثنى، وإن خرج مخرج الاستثناء؛ لأن المراد به التوكيد دون الاستثناء فعلى هذا يقاس على كل واحد من الثلاثة ما كان في معناها كما قيس على الستة في الربا ما وافق معناها،