والحال الثالثة: أن يشترطا أن يرمي أحدهما عن القوس العربية، ويرمي الآخر عن القوس الفارسية، فهذا جائز، وإن اختلفت قوساهما؛ لأن مقصود الرمي حذق الرامي والآلة تبع ومثله في السبق إذا شرط أحدهما أن يتسابق على فرس، والآخر على بغل لا يجوز، وإن سوى أبو إسحاق المروزي بينهما في الجواز؛ لأن المقصود في السبق المركوبان والراكبان تبع، فلزم التساوي فيه، ولم يلزم التساوي في آلة الرمي، فعلى هذا ليس لواحد منهما أن يعدل عن الشرط في قوسه وان ساوى فيهما صاحبه لأجل شرطه، فإن راضاه عليها جاز.
والحال الرابعة: أن يشترطا أن يرمي كل واحد منهما عما شاء من قوس عربية أو فارسية فيجوز لكل واحد منهما أن يرمي عن أي القوسين شاء قبل الشروع في الرمي وبعده، فإن أراد أحدهما منع صاحبه من خياره، لم يجز سواء تماثلا فيها أو اختلفا.
والحال الخامسة: أن يطلقا العقد من غير شرط، فإن كان للرماة عرف في أحد القوسين حمل عليه، وجرى في العرف في العقد المطلق مجرى الشرط في العقد المقيد، وإن لم يكن للرماة فيه عرف معهود فهما بالخيار فيما اتفقا عليه من أحد القوسين إذا كانا فيها متساويين؛ لأن مطلق العقد يوجب التكافؤ وإن اختلفا لم يقرع بينهما؛ لأنه أصل في العقد، وقيل لهما: إن اتفقتما وإلا فسخ العقد بينكما.
فأما القوس "الدودانية" فهي القوس التي لها مجرى يمر السهم فيه، ومنها قوس الرجل، وإن كان أغلبها قوس اليد، فيجوز أن يناضل بعضهم بعضاً إذا اتفقوا ولا يجوز أن يتناضل الرجلان أحدهما قائم، والأخر جالس إلا عن تراض، فيلزم تساويهما في القيام والجلوس، فإن اختلفا اعتبر فيه الأغلب من عرف الرماة، ولا يجوز أن يناضل أهل الشاب أصحاب الجلاهق؛ لاختلاف الصفة فيها، وأنه ليس الحذف بأحدهما حذفاً بالآخر.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا يجوز أن ينتضل رجلان وفي يدي أحدهما من النبل أكثر مما في يدي الآخر".
قال في الحاوي: اختلف أصحابنا في تأويل هذه المسألة على ثلاثة أوجه:
أحدها: يريد أنه لا يجوز أن يتناضلا على أن يصيب أحدهما عشرة من عشرين، ويصيب الآخر عشرة من ثلاثين، فيكون رشق أحدهما أكثر من رشق الآخر، ويكون معنى قوله: "في يد أحدهما" أي في حق أحدهما، وإنما لم يجز التفاضل في عدد الرشق الذي يجب فيه التماثل؛ لأنه إن نضل، فللكثرة رميه لا بحسب صنعه.