والثاني: أنه أراد أن يبين أصح مذاهبهم عنده؛ ليعلم صحيحها وفاسدها. وفي قول الشافعي: إذا سميا قرعاً يستبقان إليه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه أراد بالقرع صحة الإصابة.
والثاني: أنه أراد به عدد الإصابة.
والثالث: أنه أراد به مال النضال.
وأما المزني: فإنه قال: كما لم يكن سباقهم في الخيل، ولا في الرمي في الابتداء إلا باجتماعهما على غاية واحدة، كذلك في القياس لا يجوز لأحدهما أن يزيد إلا باجتماعهما على زيادة واحدة فقد اختلف أصحابنا في مراد المزني بكلامه على وجهين:
أحدهما: أنه أراد اختيار أحد القولين في لزوم العقد دون جوازه فعلى هذا يكون مصيباً في اختياره، مخطئا في تعليله؛ لأن أظهر القولين لزومه، فصح اختياره، وعلل بأن ما لم ينعقد إلا باجتماع، لم ينفسخ إلا بالاجتماع وهذا تعليل فاسد، بالعقود الجائزة كلها من المضاربة والوكالة والجعالة لا تنعقد إلا باجتماعهما ويجوز أن ينفرد بالفسخ أحدهما.
والثاني: أنه أراد به إذا دعا أحدهما في المسألة الثانية إلى زيادة أو نقصان أنه لا يلزم صاحبه إلا باجتماعهما عليه، وهو موافق لقول الشافعي، فعلى هذا يكون مخطئاً في تأويله، مصيباً في تعليله؛ لأن الشافعي لم يوجب على كل واحد منهما إلا ما اجتمعا على الرضا به في القولين معاً.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا يجوز أن يقول أحدهما لصاحبه إن أصبت بهذا السهم فقد نضلتك إلا أن يجعل رجل له سبقاً إن أصاب به".
قال في الحاوي: وصورتها في عقد بين متناضلين على إصابة معلومة من رشق معلوم، كاشتراطهما إصابة عشرة من عشرين فيشرعان في الرمي، ويصيب كل واحد منهما بعقد إصابته على تساو أو تفاضل من قليل أو كثير، ثم يستثقلان إتمام الرمي، فيقول أحدهما لصاحبه هوذا أرمي بهذا السهم فإن أصبت به، فقد نضلتك وإن أخطأت به، فقد تضلتني فهذا باطل، لا يصير به ناضلاً إن أصاب، ولا منضولاً إن أخطأت.
ولبطلانه علتان:
إحداهما: أنه جعل الإصابة الواحدة قائمة مقام إصابات، فبطل وهذا قول ابن أبي هريرة.