أحدهما: يحملان فيه على العرف؛ لأن العرف مع عدم الشرط يقول في العقود مقام الشرط، فعلى هذا يكون العقد صحيحاً، ويكون معنى قول الشافعي: "كراهة " يريد: كراهة اختيار لا كراهة تحريم وإنما كرهه مع الصحة؛ لأنه ربما كان لأعيان المتناضلين أغراض في مخالفة العرف.
والثاني: أنهما لا يحملان فيه على العرف، لهذا التعليل من اختلاف الأغراض فيه وأن القوي في البعد أرغب، والضعيف في القرب أرغب، فعلى هذا يكون العقد باطلاً، ويكون قوله: "كرهته " أي حرمته، وإذا تقدرت مسافة الغرض إما بالشرط وإما بالعرف لم يكن لواحد من المتناضلين أن يزيد فيه، ولا ينقص منه لأن الجواب محمول على القول بلزومه كالإجارة، ويكون معنى قول الشافعي: "فإن سمياه كرهت أن يرفعه أو يخفضه " أي: منعت أن يزيد فيه أو ينقص منه؛ لأن الزيادة ارتفاع، والنقصان انخفاض، فهذا أحد الوجهين في مراد الشافعي بالمسألة وجوابها على هذا المراد في أحكامها مع الذكر والإغفال.
والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن مراد الشافعي بهذا غرض الهدف في ارتفاعه وانخفاضه، وتوسطه، فإن سمياه في العقد حملاً على ما سمياه ولم يكن لواحد منهما أن يرفعه إن كان منخفضاً ولا أن يخفضه إذا كان مرتفعاً التزاماً بحكم الشرط.
وإن أغفلاه لم يبطل العقد بإغفاله؛ لأنه من توابع مقصوده. وقيل لهما: إن اتفقتما بعد العقد حملتما فيه على اتفاقكما، ولم يكن لواحد منكما بعد الاتفاق أن يرفعه أو يخفضه، وإن اختلفتما فيه حملتما على العرف، ويكون الاتفاق ها هنا مقدماً على العرف؛ لأن ارتفاع الغرض أمكن للطويل والراكب وانخفاضه أمكن للقصير والنازل.
وإن كان العرف عند تقدر الاتفاق، مختلفاً روعي فيه أوسط الأغراض المسمى: الجواني، لتعديل ما بين الإرادتين، ويكون قول الشافعي: "كرهت " محمولاً على كراهة الاختيار والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي: "وقد أجاز الرماة للمسبق أن يراميه رشقاً وأكثر في المائتين ومن أجازه في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة".
قال في الحاوي: ذكر الشافعي في هذه المسألة كلاماً مشتبهاً يشتمل على أسماء مبهمة، وأحكام مختلفة فيلزم تعيين أسمائها، وبيان أحكامها.
فأما الأسماء، فذكر منها الرشق، فقد ذكرناه أنه بفتح الراء اسم للرمي، وبكسرها اسم لعدد الرمي، وهما عددان ومستحب.