ومعناه أن البيع بيعان لا ثالث لهما صفة مضمونة وعين معروفة وأنه يبطل بيع الثوب لم ير بعضه لجهله به فكيف يجيز شراء ما لم ير شيئاً منه قط ولا يدري أنه ثوب أم لا حتى يجعل له خيار الرؤية".
قال في الحاوي: هذا كما قال: البيوع نوعان: بيع رقبة، وبيع منفعة:
فأما بيع المنافع فهو الإجارات، وقد قال الشافعي: إنها صنف من البيوع، ولها كتاب:
وأما بيع الرقاب، فضربان:
بيوع أعيان، وبيوع صفات: فأما بيوع الصفات: فالسلم، وله باب. وأما بيوع الأعيان، فضربان: عين حاضرة، وعين غائبة. فأما العين الحاضرة، فبيعها جائز. وأما العين الغائبة فعلى ضربين: موصوفة، وغير موصوفة: فإن كانت غير موصوفة، فبيعها باطل. وإن كانت موصوفة ففي جواز بيعها قولان: وقال أبوحنيفة: يجوز بيع العين الغائبة موصوفة كانت أو غير موصوفة. وقال مالك: يجوز بيعها موصوفة، ولا يجوز بيعها غير موصوفة.
الأدلة: استدل من أجاز بيع العين الغائبة:
بعموم قوله تعالى: {أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ}
وبما روى هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ أنه قال "من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه" وقالوا: ولأنه إجماع الصحابة: روي أن عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله. رضي الله عنهما _ تناقلا دارين: إحداهما بالكوفة، والأخرى بالبصرة، فقيل لعثمان: غبنت فقال: لا أبالي لي الخيار إذا رأيتها، فترافعا إلى جبير بن مطعم، فقضى بالخيار لطلحة.
وروي أن عبد الله بن عمر اشترى أرضاً لم يرها. وروي أن عبد الرحمن بن عوف اشترى إبلاً لم يرها.
فصار هذا قول خمسة من الصحابةء وليس لهم مخالف، فثبت أنه إجماع. ولأنه عقد معاوضة، فوجب أن لا يمنع منه فقد رؤية المعقود عليه كالنكاح.
ولأن فقد رؤية المبيع ليس فيه أكثر من الجهل بصفات المبيع، والجهل بصفات المبيع، لا يمنع من صحة العقد عليه، وإنما يثبت الخيار فيه كالمبيع إذا ظهر على عيبه والمفقود للرؤية بقشره، ولأن الرؤية لو كانت شرطاً في بيوع الأعيان كالصفة في بيوع الصفات لوجب أن يكون رؤية جميع المبيع شرطاً في صحة العقد، كما أن صفة جميع السلم فيه شرط في صحته، فلما كان مشتري الصبرة إذ رأى بعضها جاز له أن يبتاع جميعها، علم أن الرؤية ليست شرطاً في بيوع الأعيان. ولأن الرؤية لو كانت شرطاً في صحة العقد. لكان وجودها شرطاً في حال العقد، ولم يستغن برؤية تقدمت العقد، كالصفات في السلم، وذكر الثمن، فلما صح العقد بالرؤية المتقدمة على العقد ثبت