فهو أن يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار الإمضاء، فينقطع بذلك الخيار، ويلزم معه العقد وإن كانا في مجلس بيعهما لم يتفرقا. وقال أحمد بن حنبل: لا حكم للتخيير في لزوم البيع، وهما على خيارهما ما لم يتفرقا لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا". والدلالة عليه: الخبر المروي في كتابنا رابعاً عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه: "أختر". وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - ابتاع من أعرابي فرساً فقال له: "أختر" فقال: عمرك الله ممن أنت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "امرؤ من قريش".
ولأن الخيار خياران: خيار شرط، وخيار عقد. ثم ثبت أن خيار الشرط ينقطع بالتخيير، فكذلك خيار العقد يجب أن ينقطع بالتخيير. فإذا ثبت أن التخيير يقوم مقام الافتراق في قطع الخيار ولزوم البيع، فخير أحدهما صاحبه: فإن اختارا جميعاً الإمضاء، انقطع الخيار ولزم البيع.
وإن اختارا جميعاً الفسخ، انفسخ البيع وإن اختارا أحدهما الفسخ والآخر الإمضاء غلبا الفسخ على الإمضاء، وفسخ البيع، لأن موضوع الخيار الفسخ.
فصل
وقد يكون صريحاً: بأن يقول: فسخت.
وقد يكون بما يقوم مقام قوله: قد فسخت وهو أن يقول البائع في المجلس والثمن مؤجل: لست أمضي البيع إلا بتعجيل الثمن، ويقول المشتري: لست أعجل الثمن، فيكون ذلك فسخاً للعقد ويقوم مقام قوله: قد فسخت، وكذلك نظائر ذلك وأشباهه.
فلو قال المشتري والثمن ألف درهم صحاح: لست أختاره إلا بألف غلة، فقال البائع: لست أمضيه بالغلة، كان فسخاً، وإن لم يفترقا وأمضاه البائع بالألف الغلة كان ذلك استئناف عقد غير الأول وكان لهما الخيار ما لم يفترقا، أو يختارا الإمضاء. ومما يكون للبيع ويقوم مقام قوله: قد فسخت، أن يتلف المبيع قبل الافتراق، فيكون فسخاً للعقد لتلفه قبل انبرام العقد.
فلو قبض المشتري السلعة، ثم تلفت في يده قبل الافتراق، بطل العقد وكانت السلعة مضمونة على المشتري بالقيمة دون الثمن لفساد العقد بالتلف، ووجوب الضمان باليد.
ولو قبضها المشتري، ثم أودعها البائع في المجلس، ثم تلفت في يد البائع قبل الافتراق، بطل البيع، وكانت مضمونة على المشتري بالقيمة، ولا تكون مضمونة على البائع؛ لأنها كانت في يده وديعة للمشتري. ومما يكون فسخاً للبيع أن يؤجره أو يوصي به، أو يعرضه على البيع من غيره أو يقفه، أو يكون عبداً فيعتقه، أو ثوباً فيلبسه، إلى أشباه ذلك. فلو اختلفا بعد الافتراق، فقال أحدهما: افترقنا عن فسخ، وقال الآخر: افترقنا عن تراض: ففيه لأصحابنا وجهان: