أحدهما: أن حبان كان أحوج الناس إلى الزيادة في الخيار لمكانه من ضعف النظر وحاجته إلى استدراك الخديعة، فلما لم يزد بالشرط على الثلاث دل على أنها غاية الحد في العقد.
والثاني: أنه حده بالثلاث، والحد يفيد المنع إما من المجاوزة أو من النقصان، فلما جاز النقصان من الثلاث، علم أنه حد للمنع من مجاوزة الثلاث. ولأن الخيار يمنع من التصرف وموجب العقد جواز التصرف، والشرط إذا كان منافياً لموجب العقد أبطله، كما لو باعه بشرط أن لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره. وتحرير ذلك قياساً: أنه معنى يمنع مقصود العقد، فوجب أن يفسد به العقد مع استغنائه عنه، أصله إذا باعه بشرط أن لا يبيعه، ولا يدخل عليه خيار الثلاث لأنه لا يستغنى عنه.
ولأن الخيار غرر والعقد يمنع من كثير الغرر ولا يمنع من قليله كعقد الرؤية لما كان غرراً جوز في توابع البيع ولم يجوز في جميعه، والثلاث في حد القلة، وما زاد عليها في حد الكثرة بدليل قوله تعالى في قصة ثمود {فَيَاخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} هود:64 ثم بين القريب فقال تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} هود:65 فثبت أن الثلاث في حد القلة، فجاز اشتراط الخيار بها في العقد لقلة غررها، ولم يجز فيما زاد عليها لكثرة غررها.
فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون على شروطهم" فقد استثنى منه "إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً".
وأما الجواب عن قياسهم على خيار الثلاث فالمعنى فيها قلة الغرر بها على أن الثلاث رخصة مستثناة من جملة محظورة، فلم يجز القياس عليها.
وأما الجواب عن قياسهم على الأجل: فالمعنى فيه أن تأجيل الثمن لا يمنع مقصود العقد، لأن مقصوده طلب الفضل فيه بتوفير الثمن، وهذا موجود في زيادة الأجل، وليس كذلك الخيار، لأنه يمنع مقصود العقد من جواز التصرف في الثمن والمثمن.
وأما الجواب عن استدلالاهم بخيار المجلس فالمعنى فيه أنه من موجبات العقد، فجازت فيه الجهالة، وخيار الثلاث من موجبات الشرط فلم تجز فيه الجهالة، كالقبض إذا كان مستحقاً بالعقد جاز أن يكون مجهول الوقت، وإذا كان مستحقاً بالشرط لم يجز أن يكون مجهول الوقت.
فصل
فإذا تقرر أن خيار ما زاد على الثلاث لا يصح. فمتى عقد البيع بشرط خيار يزيد على الثلاث أو خيار مجهول، كان البيع فاسداً، سواء أبطلا الزيادة على الثلاث في مدة الثلاث أم لا.
وقال أبو حنيفة: إن اتفقا على إبطال ما زاد على الثلاث قبل تقضي الثلاث، صح البيع. وإن لم يبطلاه حتى مضت الثلاث، فد حينئذ البيع. استدلالاً بأن الشرط في مدة الخيار بعد العقد في حكم الشرط حال العقد، ألا ترى أنهما لو زادا في الثمن أو نقصا منه في مدة الخيار، أو زادا في الأجل أو نقصا منه، لزم ما اشترطاه من الزيادة والنقصان بعد العقد، كما يلزم لو شرطاه حال العقد، فلما ثبت أنهما لو شرطا حال