صحتها أو على فسادها ما عارضها مثل تعليل الحنفي البر بأنه مكيل فيعارض الشافعي في علة البر بأنه مطعوم فلا نسلم التعليل بالكيل إلا أن يدل على صحته وفساد ما عارضه.
وإن كان المعلل ممن يقول بالعلتين نظر في الحكمين فإن كانا متنافيين لم تسلم العلة بالمعارضة إلا بالدليل على صحتها أو فساد ما عارضها. وإن لم يتناف الحكمان فقد قيل لا تمنع المعارضة من صحة العلة وللمعلل أن يقول: أقول بالعلتين معاً.
وقيل: بل هذه المعارضة مانعة من صحة العلة حتى يدل على أن علته هي التي أوجبت الحكم الذي ادعاه ثم يصح حينئذ قوله بالعلتين.
وأما معارضة القياس بقياس أخر فمانع من صحة القياس أيضاً سواء قال المعلل بالعلتين أو لم يقل. لأنه ليس رد الفرع إلى أحد الأصلين بأولى من رده إلى الأصل الآخر إلا أن يترجح أحد القياسين على الآخر بأحد ثلاثة أوجه. إما بما يرجع إلى أصله وإما بما يرجع إلى حكمه وإما بما يرجع إلى علته فيكون القياس المترجح بأحد هذه الوجوه أولى.
فصل
وإذا ثبت أن صحة العلة وفسادها يعتبر بما وصفنا فينبغي للمعلل إذا أراد أن يستنبط علة الأصل المنصوص على حكمه أن يعتبر أوصاف الأصل وصفاً بعد وصف فإن كان الوصف الذي بدأ باعتباره مطرداً على الشروط المعتبرة علم أنه العلم الذي جعله الله تعالى علة الحكم.
وإن لم يطرد واعترضه أحد وجوه الفساد انتقل إلى وصف ثان فإذ وجده مطرداً علم أنه علة الأصل، وإن لم يطرد انتقل إلى وصف ثالث فاعتبره كذلك حتى يأتي على جميع الأوصاف فإذا سلم له أحدها جعله علة الحكم. فلو سلم له وصفان وصح تعليق الحكم على كل واحد منهما لاطراده على الأصول، لم يجز تعليق الحكم بهما لكن يقع الترجيح بينهما فماذا ترجح أحد الوصفين بعمومه وكثرة فروعه أو بأحد الوجوه التي يكون بها ترجيح العلل علم أن الوصف الذي ترجح هو علة الحكم دون غيره، ولو كانت أوصاف الأصل حين اعتبر بها لا يطرد واحد منها على الأصول ضممت أحد الأوصاف إلى الآخر فإذا صلح لك اجتماع وصفين مطردين جعلتهما معاً علة الحكم.
وإن لم يطرد الوصفان باجتماعهما ضممت إليهما وصفاً ثالثاً، فإذا وجدتها مطردة جعلتها مجموعها علة الأصل، وإن لم تطرد باجتماعها ضممت إليها رابعاً، ثم خامساً ثم سادساً ولا ينحصر بعد ذلك إلى أن ينتهي إلى أن يجمع أوصاف الأصل كله ويقتصر بالعلة على نفس الأصل المنصرص على حكمه كما قلنا في علة الذهب والفضة أنه لما لم يكن يصح تعليق الحكم على أحد أوصافها انتهى بنا التعليل إلى الاقتصار على نفس المنصوص عليه وقلنا: إن علتهما كونهما أثماناً وقيماً. ومنع أبو حنيفة من هذا بمنعه من العلة الواقعة. ومع بعض أصحابنا من الزيادة على خمسة أوصاف وهذا فاسد، لأنه لا نجد فرقأ بين الخمسة وبين ما زاد عليها أو نقص منها. والله أعلم.
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ولا يجوز أن يسلف شيئاً بما يكال أو يوزن من