لأن علة الربا على قول الشافعي مطعوم جنس وعلى قول أبي حنيفة مكيل جنس، وإذا كان الجنس أحد صفتي علة الربا لم يجز دخول النساء فيه كالطعم أو الكيل. وتحريره قياساً أن ما كان وصفاً في علة الربا كان مانعاً من دخول النساء كالكيل. والدلالة على خطأ هذا القول ما روي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشاً ففرت الإبل فأمره أن يأخذ من قلاص الصدقة. فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة. رواه أبو داود في سننه.
وروى الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر قال: جاء عبد فبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة ولا يشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عبد فجاء سيده يريده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعنيه فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحداً بعد حتى يسأله أعبد هو. رواه الشافعي في الأم. وقد روي جواز ذلك عن علي وابن عمر رضي الله عنهما.
فروي عن علي رضي الله عنه أنه باع جملاً له يقال له العصيفير بعشرين جملاً إلى أجل.
وروي عن ابن عمر أنه باع بعيراً بأربعة أبعرة مضمونة بالربذة. وليس لهما في الصحابة مخالف فكان إجماعاً.
ولأن كل عقد صح اشتراط الخيار فيه، صح دخول الأجل فيه، كالجنين من حيوان وثياب.
ولأن كل جنس جاز دخول التفاضل فيه جاز دخول الأجل فيه كالثياب المروية بالهروية.
فإن قيل: "الهروي والمروي" جنسان فلذلك جاز دخول الأجل فيهما قيل: جنسهما واحد. ألا ترى أنه لو باعه ثوباً على أنه هروي فبان أنه مروي، كان البيع جائزاً وله الخيار، ولو كان من غير جنسه لبطل البيع، كما لو باعه ثوباً على أنه قطن فبان أنه كتان، كان البيع باطلاً لأنهما جنسان. ولأن الربا قد يثبت في الجنس من وجهين: التفاضل، والأجل.
فلما كان التفاضل في جنس ما لا ربا فيه جائزاً وجب أن يكون الأجل في جنس ما لا ربا فيه جائزاً. وتحرير ذلك قياساً: أنه أحد نوعي الربا فوجب ألا يحرم فيما ليس فيه ربا كالتفاضل.
وأما الجواب عن خبري سمرة، وجابر، فهو أن يحمل النهي على دخول الأجل في كلا العوضين، وذلك عندنا غير جائز.
وأما قياسهم على البر بالبر فالمعنى تحريم التفاضل فيه، فذلك حرم الأجل، وليس كذلك في مسألتنا.
وأما استدلالهم بأنه أحد صفتي الربا كالكيل، فالمعنى في الكيل أنه إذا علق به تحريم الأجل، اختص ذلك بما فيه الربا، وإذا علق بالجنس عم ما فيه الربا وما لا ربا فيه، ولا يجوز أن يسوى بين ما فيه الربا، وبين ما لا ربا فيه في أحد نوعي الربا. ولله أعلم.
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "فلا بأس أن يسلف بعيراً في بعيرين أريد بهما الذبح أو لم يرد ورطل نحاس برطلين وعرض بعرضين إذا دفع العاجل ووصف الآخر.