أولى من مراعاة غسل الميت, ثم اختلف أصحابنا في تفسير الثمن في هذا الموضع؛ لأن الماء هو من ذوات الأمثال, منهم من قال: ثمنه مثله لا قيمته, ومنهم من قال, وهو الأصح: أنهم إن ردوا في الموضع الذي شربوا فيه لا يلزم إلا المثل, وإن ردوا في غير ذلك الموضع فعليهم قيمة التي كانت في موضع الإتلاف, وهو المراد بالثمن, وعلى هذا جميع ذوات
الأمثال إذا أتلف ثم غرن في غير موضع الإتلاف تلزمه القيمة كذلك (191 أ/1) ها هنا, وهذا لأنه لا قيمة للماء في البلد.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن غرم في غير موضع ولكن للماء قيمة في ذلك الموضع يلزم المثل, وإن كان أقل قيمة منه يوم الإتلاف؛ لأن نقصان قيمة المثل لا يؤثر في الحكم, وإن غرم في موضع لا قيمة فيه للماء أصلًا تلزمه القيمة وهذا حسن, ثم إذا أدى قيمة الماء ثم عادوا يومًا إلى موضع الإتلاف فهل للوارث رد القيمة والمطالبة بالمثل؟ وجهان بناء على ما لو أتلف شيئًا من ذوات الأمثال, بعد المثل, وانتقل إلى القيمة ثم وجد المثل, هل له رد القيمة والمطالبة بالمثل؟ وجهان, وإن كان الماء لأحد الحيين, فمن أصحابنا من قال: يلزمه أن يقدم الميت به ويأخذ ثمنه من مال الميت, وهذا لا يعرف للشافعي بل مالكه أحق به, ولا يجب عليه بذله لطهارة غيره, ولا يجوز, فإن بذله لغيره ببذل أو غير بذل, وتيمم وصلى, فقد ذكرنا حكمة, وإن كان على أحد الحيين نجاسة. قال أبو إسحاق: إن قلنا: يقول المزني يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه فالميت أولى به أيضًا, وإن قلنا: تلزمه الإعادة فيه وجهان:
أحدهما: الميت أولى؛ لأن الشافعي قال: الميت أولى والغالب أن الحائض لا تخلو من النجاسة, ولأنه خاتمة طهارته فهو أولى.
والثاني: أن من عليه النجاسة هو (191 ب/1) أولى؛ لأنه في النجاسة لا يرجع إلى بدل, وفي غسل الميت يمكن أن الرجوع إلى بدل, فعلى هذا ييممونه ويدفنونه؛ والأول أصح.
وقال أبو حنيفة: الحي أولى بكل حال, وهذا غلط لما ذكرناه من العلة.
فرع
لو اجتمع حائض وجنب وهناك ماء مباح يكفي لأحدهما, فيه وجهان:
قال أبو إسحاق: الجنب أولى؛ لأن غسله ثبت بالنص, وغسل الحائض بالاجتهاد وأخبار الآحاد, والثاني وهو الأصح: أن الحائض أولى؛ لأن الحائض لا تعرى من النجاسة وحكمها أغلظ, فإنه يحرم وطئها, وغسل الحائض تثبت بالإجماع فقام مقام النص وبطلت العلة التي ذكرها القائل الأول.
وقال القفال: فيه وجه ثالث هما سواء فيقرع بينهما, وقال بعد أصحابنا بخراسان: إن قلنا الحائض لا تقرأ القرآن فهي أولى؛ لأن حالها أشد, وإن قلنا: تقرأ فهما سواء, لأن الحائض لا تمر بالمسجد خلاف الجنب فيقرع بينهما.