لأنه إسقاط حق قبل وجوبه، فلا يجوز كالشفيع إذا عفا قبل البيع.
والثالث: يبرأ من جميع العيوب وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية وهو اختيار الاصطخري وأصل هذا أن البراءة عند أبي حنيفة 180/ أ عن المجهول تجوز وعندنا لا تجوز واحتج بما وردت أم سلمة رضي الله عنها أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسستهما وتوخيا وليحلل أحدكما صاحبه" وهذا غلط، لأنه مرفق في البيع لا يثبت إلا بالشرط فلا تثبت الجهالة كالخيار.
وأما الخبر أراد به تحلله من قدر تسمية فلا حجة فيه، ومن أصحابنا من قال: المسألة على قول واحد، وهو أنه يبرأ مما لم يعلم من العيوب الباطنة ولا يبرأ مما علم من العيوب الباطنة والظاهرة، ولا يبرأ مما لم يعلم من العيوب الظاهرة لأن الشافعي قال: تركت القياس لقضاء عثمان، وإن الحيوان يفارق ما سواه على ما ذكرنا فقدم قضاء عثمان مع ضرب من الاعتبار على القياس المخالف له، ثم قال بعد ما أشار إلى القولين الآخرين: والأول أصح.
قال القاضي الطبري: وهذا غلط عندي لأن الشافعي نص في كتاب اختلافه مع مالك على أن غير الحيوان إذا باعه بالبراءة من عيوبه يبرأ منه 180/ ب وحكاه القاضي أبو حامد في "الجامع" عنه ذلك فقال: ولو ذهب ذاهب إلى أن من باع بالبراءة مما يعلم ومما لا يعلم كان مذهبًا يجد فيه حجة. قال القاضي أبو حامد: هذا قول يأتي في المسألة وإذا كان هذا قولًا في غير الحيوان ففي الحيوان أولى، وأما القول الثالث: حكاه الاصطخري ولا نعرفه للشافعي رضي الله عنه إلا من هذا الكلام الذي نقله المزني ولا يمكن إثبات قول آخر بمثله فالذي يحصل من كلام الشافعي فيه قولان:
أحدهما: قذف بين ما لم يعلم من العيوب الباطنة وبين ما علم نص عليه في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى.
والثاني: أنه يبرأ من كل عيب على الإطلاق على ما نص عليه في غير الحيوان في كتاب اختلافه ومالك فحصل في المسألة ثلاثة طرق.
وأما غير الحيوان مثل النبات والعقار ونحو ذلك إذا باع بشرط البراءة من العيوب على طريقة الاصطخري والقاضي الطبري فيه قولان: أحدهما: لا يبرأ بحال وهو المشهور، والثاني: يبرأ من كل عيب. وبه قال أبو حنيفة وأحمد في 181/ أ رواية ولا يجيء فيه الفرق وبين العيب الباطن والظاهر، وعلى طريقة سائر أصحابنا قول واحد لا يصح في شرط البراءة أصلًا. وقال أبو علي في "الإفصاح" والقاضي أبو حامد في "الجامع" فيه قول ثالث: يبرأ من عيب لم يعلمه ولا يبرأ مما علمه قياسًا على الحيوان. ومن خرّج من أصحابنا هذا القول حمل قول الشافعي في الحيوان يبرأ من عيب لا يعلمه على العيب الظاهر والباطن، وهذا غلط والصحيح الذي عليه المحصلون من أصحابنا أن قول الشافعي في الحيوان يبرأ من عيب لا يعلمه يريد به العيوب الباطنة. فأما الظاهرة التي يمكنه الوقوف عليها فلا يبرأ منها وإن لم يعلمها، وإذا كان كذلك كان هذا التخريج باطلًا لأن غير الحيوان لا باطن له والفرق بين الحيوان وغيره أن علل الحيوانات كثيرة منها ما يظهر ويستدرك سريعًا، ومنها ما يخفى ولا يعلم إلا بعد طول الزمان فربما يكون به عيب يظهره الحرّ دون البرد أو البرد دون الحرّ أو