فإذا قلنا: إنه طاهر غير مطهر, فإن كان أقل من قلتين فغير مطهر قولًا واحدًا, وإن بلغ قلتين فالمنصوص في (الأم) أنه طاهر غير مطهر, وذكره المزني في جامعة الكبير أيضًا؛ لأنه إذا لم تؤثر فيه النجاسة فلأن لا يؤثر فيه الاستعمال أولى, ولأنه إذا كان كثيرًا في الابتداء لا يصير مستعملًا, فإذا كثر من بعد ذلك حكمه, وقال القفال: فيه وجهان, أحدهما: هذا, والثاني: هو مستعمل كما كان ولا يعود طهورًا؛ لأن كونه مستعملًا فيه والكثرة لا تسلبه صفته بل تكثر صفته بكثرته, فهو كماء الزعفران إذا كثر لا يعود طهورًا. وقيل: هذا اختيار القفال, وهو خلاف نص الشافعي, وإذا قلنا: إنه غير مطهر, أو كان أقل من قلتين, هل يجوز غسل النجاسة به؟ المذهب أنه لا يجوز؛ لأنه مائع يجوز لا يرفع الحدث فلا يرفع (196 أ/1) الخبث كماء الورد, وقال أبو القاسم الأنماطي أستاذ ابن سريج, وابن خيران: يجوز لأن للماء قوتين إزالة النجاسة وإزالة الحدث, وقد زالت إحداهما وبقيت الأخرى, وهذا باطل بما أزيل به النجاسة لا يزال به الحدث الأصغر, ولا يقال له قوتان كذلك ها هنا, وهكذا في العكس منه إذا استعمل الماء في إزالة النجاسة, وقلنا: إنه طاهر غير
مطهر هل يجوز استعماله في إزالة الحدث على هذا بخلاف.
وأما المستعمل في الندب: وهو ما غسل به يديه قبل إدخالهما في الإناء أو تمضمض به, أو استنشق أو استعمل في المرة الثانية, والثالثة في الوضوء في تجديد الوضوء, أو في غسل يوم الجمعة ونحو ذلك, قال ابن سريج: فيه وجهان: أحدها: أنه طاهر مطهر, لأنه لم يؤد به الفرض مرة, وإليه أشار الشافعي حيث قال: لأنه أدى به الفرض مرة وهو الأصح, والثاني: أنه مستعمل طاهر غير مطهر, لأنه استعمل في التعبد في الجملة, وإلى هذا أشار الشافعي في قوله: لأن على الناس تعبدًا في أنفسهم, وقوله: لأنه أدى به الفرض مرة, من قول المزني, ولم يقله الشافعي, وبه قال أبو حنيفة, وإليه يميل القفال.
وأما المستعمل في غير الندب والحدث بالماء الذي يتبرد به أو يتنظف أو غسل به الثوب فهو طاهر مطهر بلا خلاف.
فرع
لو اغتسلت الكافرة (196 ب/1) من الحيض لاستباحة وطئ المسلم هل يصير الماء مستعملَا فيه وجهان:
أحدهما: يصير مستعملًا لأنها أدت طهارة مأمورًا بها بهذا الماء.
والثاني: لا يصير مستعملًا, لأنها لم تؤد به عبادة, وهذا أظهر, ولا خلاف أنها لو اغتسلت لا من الحيض أو النفاس لا يصير مستعملًا.
فرع
لو اغتسل المحدث رأسه ففيما سقط عن رأسه من الماء وجهان حكاهما ابن أبي هريرة.