وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله: يصح البيع للأعمى. وقال أبو حنيفة: يثبت له الخيار إلى معرفة إما بجسه أو بدونه إذا وصف له، واحتجوا بأنه لم يخل عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة رضي الله عنهم من العميان، ولم ينقل أنهم منعوا من البيع. وهذا غلط لما ذكرنا من بيع الغائب سواء ما ذكر، ولم ينقل أنهم باعوا بأنفسهم.
باب بيعتين في بيعة والنجشقال: أخبرنا الدراوردي
.... وذكر الخبر.
وهذا كما قال. روى أبو هريرة -رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة. قال الشافعي رحمة الله عليه: يحتمل هذا معنيين:
أحدهما: أن يقول: بعتك هذا الشيء بألف درهم نقدًا، أو بألفين إلى سنة قد وجب لك بأيهما شئت أو شئت أنت، ولا يجوز لأن الثمن فيه مجهول، والإيجاب والقبول على ق 57 أ التمسك لا على التعيين. وقال ابن سيرين رحمه الله: يلزم البيع بأكثرهما.
والثاني: يقول: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك بألف، فهذا أيضًا لا يجوز؛ لأن ما نقص من كل واحد منهما ازداد في الآخر والثمن إذا ضم إليه مثل هذا يصير مجهولًا.
وهذا إذا جعل إيجاب البيع في أحد الشيئين إيجابًا في الآخر، فإن عقد أحدهما بهذا الشرط ثم عقد الثاني خاليًا عن الشرط صح الثاني دون الأول.
مسألة
قَالَ: "وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّجَشِ".
وهذا كما قال: النجش حرام وخديعة وليس من أخلاق هذا الدين. والنجس في اللغة استتارة الشيء، وكذلك سمى الصياد ناجشًا.
صورة النجش المنهي عنه أن يجلس على حانوت البائع ناخس، فإذا خاصم المشتري، وساوم صاحب الحانوت ثوبًا بعشرة، قال هذا الناخس: عليَّ هذا الثوب بخمسة عشر، ولا رغبة له في الشراء ولكنه يريد أن يقتدي المشتري به حتى يصير مغبونًا، فيعطي خمسة عشرة أو أكثر ظانًا أن الثوب يساوي خمسة عشر. وهكذا لو كان الشيء يباع ممن يريد فيأتي رجل لا يريد شراؤه ويزيد في الثمن وقصده اغترار الناس به فيزيدوا