قال: "وإذا استنصحك أخوك فانصحه" ومعناه أن البدوي إذا سأل الحضري عن سعر سلعته فلا ينبغي أن يكذبه.
وأما تلقى الركبان للبيع فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وذلك محرم أيضًا.
إن القوم كانوا يتلقون الجالبين على مرحلة أو أكثر ويسألونهم عن ما جلبوه ويبتاعونه منهم بسعر البلد، فربما غبنوهم غبنًا بينًا، وربما كذبوا في إخبارهم بسعر البلد، فنهاهم عن ذلك لما فيه أن كل من يبتاعها منهم يحملها إلى منزله يتربص بها زيادة السعر فلا يسع على أهل البلد أو لم يخبرهم أصلًا إذا قدموا البلد، فإن كان البائع قد غبن كان له الخيار، وإن لم يكن غبن فيه وجهان:
أحدهما: له الخيار لما روي هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق". قال الشافعي رحمة الله عليه: "بهذا نأخذ إن كان ثابتًا" وهذا رمز بتوهين الرواية في هذه الزيادة لا في أصل الحديث، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه ق 60 ب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقى متلقٍ فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق.
والثاني: لا خيار له، وبه قال الأصطخري؛ لأنه لم يغره، والخبر مخصوص في هذا الموضع.
وكذلك لو أخبره بالثمن صادقًا فوجهان، وقيل: وهذان الوجهان مبنيان على أنه خيار عيب أو خيار شرع؟ فإن قلنا: خيار عيب وهو قول من قال بالمعنى الأول فلا خيار ههنا. وإن قلنا: خيار شرع وهو قول من قال بالمعنى الثالث ثبت الخيار أبدًا.
فرع
لو لم يقدموا البلد حتى رخص السعر وعاد سعره إلى ما أخبروه وكان في وقت البيع السعر في البلد أكثر مما أخبروهم فهل يثبت الخيار؟ وجهان:
أحدهما: لا خيار لهم اعتبارًا بانتهاء الحال.
والثاني: لهم الخيار اعتبارًا بابتداء الحال.
فرع
إذا أثبتنا الخيار فيه وجهان:
أحدهما: وهو الأصح أنه على الإمكان كخيار العيب.