فرع آخر:
هل الأصل فيه التأجيل والحلول رخصة أم الأصل فيه الحلول والتأجيل رخصة؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: الأصل فيه التأجيل لانعقاد الإجماع عليه والحلول رخصة.
والثاني: الأصل فيه الحلول لانتفاء الغرر فيه والتأجيل رخصة.
والثالث: كلاهما سواء وليس أحدهما أن يكون أصلًا بأولى من الآخر، لقيام الدليل عليهما وجواز السلم معهما، والوجهان عند الإطلاق مبنيان على هذا.
مسألة:
قَالَ المُزني رَحِمَهُ اللَّه: "وَالَّذِي اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهَ أَنْ لَا يُسَلِّفَ جُزَافًا مَنْ ثِيَابٍ وَلَا غِيرِهَا".
وهذا كما قال: لا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موصوفًا في الذمة، فإن أسلم في عين مثل أن يسلم في تمرة نخلة بعينها أو بستان بعينه بطل، وينبغي أن يكون معلوم المقدار إن كان كيلًا فبالكيل، وإن كان موزونًا فالبوزن، ويذكر مكيالًا معروفًا، فإن عين بكل رجل بعينه وكان مما يوافق مكيال الناس في العادة بطل، كما إذا قال في ثوب: مثل هذا الثوب. وكذلك لا يجوز أن يسلم في ميزان رجل بعينه، ومتى عين مكيالًا أو ميزانًا ق 104 أ وكان ميزان الناس ومكيالهم لم يضر التعيين، ويجوز أن يكيل به وبغيره.
ومن أصحابنا من قال: يبطل السلم لجواز أن يتلف ذلك القبض به، وقد تعين ذلك للشرط. ذكره في "الحاوي".
وأما رأس المال فلابد من أن يكون معلومًا، ويجوز أن يكون دينًا وعينًا، وإن كان دينًا، قال: أسلمت إليك كذا في كذا، ولابد أن يضبطه بالصفات التي يضبط المسلم فيه من قدرٍ وغيره إن كان ثوبًا أو نحوه. وإن كان نقدًا فذكر القدر وأطلق النوع جاز، وينصرف إلى غالب نقد البلد، ثم لابد من تعيينه في المجلس نقدًا كان أو غيره وقبضه في غيره. هكذا ذكره كل أصحابنا، وهو المذهب.
وقال أبو العباس بن رجاء البصري رحمه الله وجماعة: لا يجوز أن يكون دينًا، لأنه يتميز كلا إلى موصوف، ويكون بيع الدين بالدين، وهذا غلط؛ لأنه إنما يحرم الدين بالدين إذا تحققت الدينية. وههنا لم يفترقا حتى صار الموصوف معينًا في المجلس في الحقيقة عين بدين، كما لو عقد الصرف على موصوفين، ثم أحضرا وإن كان رأس المال معينًا مشارًا إليه هل يفتقر مع المشاهدة إلى معرفة قدره وضبط صفاته؟ قولان:
أحدهما: لابد من ذلك؛ ولأن المسلم فيه ربما ينقطع فلا يدري بماذا يطالب