أحدها: إذا تقايلا هل يتجدد حق الشفعة؟ فإن قلنا: فسخ لا يتجدد. وإن قلنا: بيع يتجدد. وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: هي بيع في غير حق المتعاقدين فثبت بها الشفعة للشفيع، وهذا مجال، لأن ما كان فسخًا لحكم كان فسخًا لكل حكم.
والثانية: إن تقايلا فقبل استرداد البائع المبيع يتلف، فإن قلنا: ابتداء عقد تبطل الإقالة. وإن قلنا: فسخ لا تبطل.
والثالث: الإقالة في التالف هل تصح؟ إن قلنا فسخ تصح وإلا فلا تصح وهذا ليس بشيء، وهو غلط على المذهب، ق 141 ب لأن الشافعي نص على أن الإقالة تجوز في التالف ولم يذكر قولًا آخر. هكذا ذكره القاضي الطبري رحمه الله.
وقال في "الحاوي": قال بعض البغداديين: تجوز الإقالة بعد تلف العين، وهذا خطأ، ولا تجوز إلا مع بقاء العين، لأن فسخ الإجبار بالرد بالعيب لا يجوز مع التالف ففسخ المراضاة أولى. وقد ذكرنا لفظ الشافعي فيما تقدم فلا معنى لهذا.
فإذا تقرر هذا، فإن أقاله في جميع المسلم فيه جاز وانفسخ العقد، وعليه أن يرد ما قبضه من رأس المال، فإن كان قائمًا رده، وإن كان تالفًا فعليه رد مثله إن كان له مثل أو قيمته يوم قبضه منه إن لم يكن له مثل. ولو أقاله في بعضه وقبل بعضه يجوز أيضًا.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هذا إذا جوزنا تفريق الصفقة، فإذا لم نجوز تفريق الصفقة لا يجوز هذا وإن تراضيا عليه. ويذكر هذا عن القفال، وفي هذا نظر، ولا وجه له. وبقوله قال عطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، والحكم بن عيينة، وأبو حنيفة، والثوري رحمهم الله تعالى.
وقال مالك، وربيعة، والليث بن سعد وابن أبي ليلى: لا يجوز ذلك، وكرهه أحمد وإسحاق. ورواه ابن المنذر عن ابن عمر - رضي الله عنهما - والحسن، وابن سيرين، والنخعي، واحتجوا بأنه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعًا وسلفًا، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ق 142 أ وذلك أنه إذا أقاله في بعضه، ورد بعض رأس المال يصير في معنى القرض، لأنه رد مثله والباقي يكون بيعًا. وأيضًا إذا أقاله في البعض يصير كأن البائع ما أعطى البعض إلا بعوض وهو الإقالة في البعض، ولو عجل البعض وأبرأ عن البعض لم يجز. وهذا غلط، لأن الإقالة مندوب إليها، وكل معروف جاز في جميع العوض جاز في بعضه كالإبراء.
وأنا ما ذكره لا يصح، لأنه موجود في الرجوع بأرش العيب ونحو ذلك، ولأنه إنما يجوز عند الشرط وهذا من غير شرط.
وأما الآخر فلا يصح، لأن الشافعي رحمه الله قال: "لا أجعل التهمة موضعًا فيما فعلا". ويجوز عند البراءة عن البعض وأخذ البعض معجلًا قبل المحل من غير شرط، ولا يجوز ذلك الشرط، وهذا لأنهما لا يتهمان أنهما أضمرا أن يكون التعجيل في مقابلة النقصان، فيصير كالشرط كما قال مالك. واحتج الشافعي رحمة الله عليه بما روي عن