ويجبر المتولين والأغنياء وأولادهم الناس على الإشباع والكفاية، لأن الأسعار وإن ارتفعت فلا يكاد يعدم الفقراء من يتصدق عليهم بثمن الطعام.
واحتج مالك رحمه الله بما روى عن عمر - رضي الله عنه - أنه مر بحاطب في سوق المصلي ق 151 ب وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرها كل مدين بدرهم، فقال له: حدثت بعير مقبل من الطائف وهم يعتبرون بسعرك، فإما أن ترفع في السعر، وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت. فدل على جواز التسعير.
وروى عن علي رضي الله عنه أنه سعر على قوم طعاماً فخالفوه فحرقه عليهم من الغد. والجواب ما ذكره الشافعي رحمه الله قال: هذا الذي رواه مالك بعض الحديث، وتمام الحديث: أنه لما رجع حاسب نفسه كل ليلة لما جرى في يومه فوجد في حسابه أنه سهر الحاطب، فأتى حاطباً في جوف الليل، وقال: إن الذي قلت ليس بعزيمة مني ولا قضاء، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع.
قال الشافعي: وهذا الحديث يقتضي ليس بخلاف لما روى مالك، ولكنه روى بعض الخبر أو رواه من رواه عنه، وهذا أتى بأول الخبر وآخره، ثم أشار إلى ما ذكرنا من القياس.
وأما لفظ الحديث: "فسعر له مدين لكل درهم"، قرئ بتنوين اللام ورفع الدرهم "لكل درهم"، وهو اختيار القفال. ومعناه: كل مد بدرهم. وقرئ بتنوين اللام وخفض الدرهم، ومعناه: بعه مدين بدرهم. وهذا يحتمل اللفظان ثبتت به الرواية، ولا يختلف الحكم بذلك، وفي هذا الأمر دليل على أن الإمام إذا أمر بشيء وهو يريد به المصلحة وليس ذلك بحتم في الشرع فعليه تبيينه للمأمور على أن ق 152 أ مرادي بذلك المصلحة وليس ذلك بحت في الشرع لئلا يظن المأور خلافه. ولهذا أتى عمر - رضي الله عنه - حاطباً في داره نبه على ذلك.
وقال أصحابنا: المستحب للإمام أن يباشر مطالعة أحوال الأموال، ولا يرتفع عن ذلك كما كان عمر - رضي الله عنه - يفعل.
وأما خبر علي - رضي الله عنه - فلا يصح وهو متروك بالإجماع.
فرع
إذا جوزنا التسعير في الطعام هل يجوز في علف البهائم؟ وجهان، لأن لها حرمة بالروح.
فرع آخر
إذا سعر الإمام فخالفه له أن يعزره، وهل يصح البيع؟ وجهان: