يقبضه منه فعقد الرهن يصح، ويحتاج إلى قبض الرهن، وذلك بمضي المدة والإذن في القبض على ما ذكرنا، وهذا العقد لا يزيل ضمان الغصب. وقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، والمزني رحمهم الله: يزيل ضمان الغصب، وعند أبي حنيفة يصبر مضمونًا ضمان الراهن؛ لأن عنده الرهن مضمون. وذا غلط؛ لأن استدامة الرهن لا تنافي ضمان الغصب.
وأعلم أن الشافعي رحمه الله عليه احتج في "الأم "على هذه المسألة بأن قبضه من نفسه لا يبرئه من الضمان، ألا ترى أنه لو أذن المشتري للبائع في قبضه المبيع بثمن من نفسه فقبضه لا يبرأ من الضمان.
قال أصحابنا: يمكن أن يفرق بينهما فبقال في المبيع: لم يصح القبض وههنا صح القبض، وإنما صح ههنا لأنه قبض بنفسه بإذن غيره، والبائع قبض لغيره من نفسه، ويصح أن يقبض لنفسه؛ لأن الشيء في يده فلا يقبض لغيره؛ لأنه لا يصل إلى يد غيره. وهكذا ق 179 ب الحكم لو رهن عنده المأخوذ سومًا أو ببيع فاسد.
فرع آخر
لو رهن عنده ثم دفعه الغاصب إلى المالك ثم أقبضه منه المالك برئ من ضمان الغاصب؛ لأنه رجع إلى يد صاحبه. ولو أبرأه من ضمان الغصب ثم رهنه إياه لم يكن مضمونًا أيضًا؛ لأن الضمان حق للمغصوب منه، فإذا أبرأ منه سقط.
ومن أصحابنا من قال: لا يجوز هذا الإبراء؛ لأن الإبراء من ضمان العين لا يجوز، وضمان القيمة يجب بعد. وهذا لا يصح؛ لأن سبب الضمان قد وجد فصح الإبراء منه، ألا ترى أنه لو حفر بئرًا فمات ووقع فيها إنسان كان مضمونًا في تركته كما لو كان حيًا؛ لأن سبب الجناية كان منه في حال الحياة، كذلك ههنا.
فرع آخر
لو شرط وضعه على يدي عدل فوضعه الغاصب برئ من الضمان؛ لأن العدل وكيل الراهن.
فرع آخر
لو جعله وديعة عنده فيه وجهان:
أحدهما: لا يزول الضمان كالرهن؛ لأن الراهن أمانة كالوديعة.
والثاني: يزول الضمان وهو الصحيح؛ لأن الوديعة تنافي الضمان لكونها أمانة محضة يرجع نفعها إلى الغير خاصة بخلاف الوهن.
ولهذا لو تعدى المودع في الوديعة خرج من كونها وديعة، ولو تعدى المرتهن في الرهن لا يخرج من الرهن.