فإذا تقرر هذا قال المزني عقيب هذه المسألة: قال الشافعي: "وَهَذَا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَةُ الجَارِيَة فِي العِتْقِ وَالوِلاَدَةِ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهَا أَوْ قَصَاصًا". فعطف المزني هذا التفصيل بين المعسر والموسر على مسألة اعتراف المرتهن بالإذن في الوطء، ثم اعترض على الشافعي فقال:
"أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا أَوْ أَحْبَلَهَا وَهِيَ رَهْنٌ فَسَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ القِيمَةُ فَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهِا أَوْ قَصَاصًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْطَالُ الرَّهْنِ بِالعِتْقِ وَلاَ بَالإِحْبَالِ وَبِيعَتْ فِي الرَّهْنِ، فَلَمَّا جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ أُمَّ وَلَدٍ لأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بَإِذْنِ المُرْتَهِنِ فَلاَ تُبَاعِ كَأَنَّهَا أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ رَهْنٌ فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَةٌ لأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِإِذْنِ المُرْتَهِنِ فَلاَ تُبَاعُ كَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَتَفَهَّمْ".
ومعنى ق 194 ب هذا الاعتراض أنهما إذا كانا متصادقين على وجود الإذن في الوطء واستلحق الراهن الولد وجب الحكم بالاستيلاد من غير تفصيل من المعسر والموسر، وتصير كأنها لم تكن رهنًا حين أصابتها وإحبالها، فتوهم المزني أن الشافعي فصل في المسألة المصادقة على الإذن بين المعسر والموسر في مسألة اختلافهما في الإذن بعد استحلاف المرتهن.
وعطف هذا التفصيل في "المبسوط" على تلك المسألة، فترك المزني تصنيف الشافعي وعطف على مسألة الاتفاق في الإذن ما كان معطوفًا على مسألة الاختلاف في الإذن، فالنظم المستقيم في كتبه هذه المسائل أن يكتب أولاً: "ولو اختلفا فقال الراهن: أعتقتها بإذنك وأنكر المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه وهي رهن، وهذا إذا كان الراهن معسرًا" الفصل. ثم يعطف على ذلك: "ولو أقر المرتهن أنه أذن له بوطئها" الفصل. فيسقط حينئذٍ اعتراض المزني.
ومن أصحابنا من يغير نسخة "المختصر" فيقدم ما أخر المزني ويؤخر ما قدمه لتكون المسائل على الترتيب، والصواب أن يترك تصنيف المزني على ما أملاه وصنفه.
مسألة:
قَالَ: "وَلَوْ وَطِئَهَا المُرْتَهَنُ حُدَّ".
الفصل:
لا يجوز ق 195 أ للمرتهن وطء الجارية المرهونة، فإن خالف ووطء لا يخلو إما أن يكون بإذن الراهن أو بغير إذنه، فإن كان بغير إذنه لا يخلو إما أن يكون عالمًا بالتحريم أو جاهًلا به، فإن كان عالمًا به فعليه الحد؛ لأن وطئه صادف ملك غيره وليس له في