بعد الرجوع عن الإذن فالقول قول المرتهن؛ لأنه يدعي بقاء الوثيقة والأصل بقاؤها، ولان الأصل لا بيع ولا رجوع فتقابلا وبقى مع المرتهن أصل الأمر.
وقال بعض أصحابنا: إن اتفقا على وقت البيع واختلفا في وقت الرجوع فالقول قول الراهن. وإن اتفقا على وقت الرجوع واختلفا في وقت البيع فالقول قول المرتهن. وإن اختلفا فيهما نظر في السابق بالدعوى فيكون القول قوله، وإن ادعياه معًا فيه وجهان:
أحدهما: القول قول الراهن؛ لأن الأصل أن لا رجوع.
والثاني: القول قول المجتهد؛ لأن الأصل أن لا بيع. ذكره والد رحمه الله وفيه وجهان علاة الإطلاق، وهو ضعيف.
مسألة:
قَالَ: "وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيهِ ثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُ".
الفصل
إذا أذن المرتهن للراهن في بيع المرهون قبل محل حقه مقيدًا بشرط أن يعطيه ثمنه فباعه، فإن شرط عليه أن يجعل ثمنه رهنًا فيه قولان:
أحدهما: البيع باطل، قاله في "الأم" وهو الصحيح؛ لأن ثمنه مجهول عندهما فصار كما لو شرط رهنًا مجهولاً.
والثاني: قاله في "الإملاء" البيع جائز. وبه قال أبو حنيفة ق 198 ب والمزني وأصحاب أحمد؛ لأنه لما جاز أن يشرط كون العين رهنًا جاز أن يشرط كون بدلها رهنًا؛ لأن الشيء في نفسه يجوز أن يكون رهنًا، وكذلك ثمنه يجوز أن يكون رهنًا، وهذا إذا اعترف المشتري بأن المرتهن هكذا أذن في البيع.
وإن اشترط أن يقضي دينه منه فالمنصوص أن الشرط والبيع فاسد. ومن أصحابنا من خرج فيه قولاً آخر أنه يصح البيع قياسًا على ما قال الشافعي في "الإملاء" في المسألة قبلها، وهذا غلط. والفرق أن العقد المتقدم لم يتضمن تعجيل حقه من بدل الرهن واقتضى أن يكون بدله رهنًا. فإذا شرط أن يكون ثمنه رهنًا جاز تخريج القول ولا يجوز ذلك إذا شرط أن يقضي دينه منه. وقال أبو حنيفة والمزني وأصحاب أحمد: يصح البيع. ويحكى عن أبي إسحاق: لا يصح عنه، ويجعل ثمنه رهنًا ولا يجب تعجيل حقه، واحتج المزني أن الشرط الفاسد مقدم على البيع فلم يضره، كما لو قال: وكلتك ببيع ثوبي هذا على أن يكون لك عشر ثمنه فباعه يجوز البيع والشرط باطل، وله أجرة مثله؛ لأن العقد تعرى عن الشرط.
وحكي عن المزني أنه قال: إذا صح البيع نجعل قيمته رهنًا مكانه، وهذا ليس بشيء. قلنا: المقصود من الشرط للمرتهن تعجيل حقه قبل محله، وهذا ساقط؛ لأنه