الصلاة، لأنه لما رآه بجهل أمر الصلاة مع أنها تقام ظاهرة يرى بعضهم صلاة بعض، عرف أنه الوضوء مع أن الناس يفعلونه في بيوتهم وخلواتهم أجهل.
مسألة: قال "فَكُلُّ ماءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أّوْ مَالِحٍ".
الفصل
وهذا كما قال، نقل المزني ثلاثة أقسام من المياه: الأول: ما يجوز التطهر به من غير كراهية. والثاني: ما يكره التطهر به من حيث الطب، وهو ماء الشمس، والثالث: ما لا يجوز التطهر 20 ب/ 1 به وهو إذا خالطه ماء يغلبه، وبدأ في القسم الأول بماء البحر، فيجوز التوضأ به عند جمهور العلماء، وروي عن ابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنهما منعا الوضوء به، وقالا: التيمم أحب إلينا منه. وروي أن عبد الله بن
عمرو بن العاص، قال لما سئل عنه: بحر ثم نار ثم بحر ثم نار، فذكر سبعة ماء بحر وسبعة أنوار.
وقال سعيد بن المسيب: إن كان واجدًا لماء آخر لم يجز التوضأ به، وإن كان عادمًا جاز، وهذا غلط للآية التي ذكرناها. وماء البحر هو ما نزل من السماء أيام نوح صلى الله عليه وسلم، والخبر الذي ذكرناه. وروى أبو هريرة -رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يطهره البحر فلا طهره الله". وروى: "من لم يطهره ماء البحر".
وأما ما ذكره ابن عمر وعبد الله بن عمرو فلا معنى تحته، وقد قال القفال: أجمعت الأمة على جواز التوضأ. فتأويلي ما روي عنهما أن المسافر المحوجة إلى التيمم هي أحب إلينا من ركوب البحر، ولم يصح عنهما المنع من التوضأ به وقيل: إنهما قالا: يكره ذلك، وعندنا لا يكره ذلك. وأما اللفظ الآخر: أراد من ركب البحر أعان على نفسه، وأراد به بحور جهنم، وأن بحور الدنيا تصير يوم القيامة نيرانًا، كما قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} التكوير: 6 أي ستسجر وتجعل نيرانًا.
فإذا تقرر هذا، قال: "عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ" وهذا صحيح يجوز التوضأ بهما لقوله تعالى: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} فاطر: 12 21 أ/ 1 وقال ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسيره: هما بحران يتوضأ بأيهما شئت. يعني بالعذب أو المالح، ولأنهما صفتان خلقت الماء عليهما فلا يضر التطهر.
فإن قيل: قوله: "مالح" خطأ؛ لأنه يقال: ماء مالح ولا يقال مالح إلا لما خرج الملح فيه، ولذلك لا يجوز التوضيء به، وقيل: قوله: "مالح" جائز في اللغة، قال عمر بن أبي ربيعة: