أحدهما: لا يحكم عليه لأن بهذه الشهادة لا يثبت المال على الغائب، وإذا لم يثبت على الغائب لم يجز أن يثبت على الحاضر عنه.
والثاني: يُحكم عليه بالألف لأن البينة لو شهدت على رجل بأن عليه لفلان ألف درهم من جهة الضمان قبلت هذه الشهادة وقضي عليه بالألف، وإن لم يكن المضمون عنه معينًا.
مسألة: قال: وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ فَدَفَعَها بمحضره ثُمَّ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ.
الفصل
وهذا كما قال: إذا ضمن رجل عن رجل ألف درهم فطالب المضمون له الضامن به فدفعه إليه ثم جحد القابض ما قبضه فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم القبض. وقد قال المزني: "حلف وبرئ" وليس معنى قوله: "برئ" أن عليه دينًا برئ منه لأنه طالب الدين، ولكن المراد به براءته عما توجه عليه من دعوى القبض والبراءة مرة تكون عن الدين ومرة عن الدعوى في الخصومة. ثم إذا حلف لا يخلو إمّا أن يكون دفعه إليه بحضرة المضمون عنه أو بغيبته، فإن كان بحضرته كان المضمون له أن يطالب أيهما شاء بالألف. فإن طالب المضمون عنه بما كان عليه دفعه إليه ليزن ألف درهم له وألف درهم للضامن، لأنه يقر بأن الضامن قد استحق الألف عليه وأن الظلم لحقه من جهة المضمون له، وهذا هو الذي نقله المزني واختاره أبو إسحاق.
ومن أصحابنا من قال: لا يرجع الضامن عليه لأنه فرط في ترك الإشهاد ولم يقبض الدين قضاء يبرئ ذمة المضمون عنه به فلا يرجع عليه كما لو دفع بغيبة المضمون عنه ولم يشهد وهذا غلط والفرق بينه وبين حالة الغيبة أن الأمر هناك مفوض إلى الضامن فإذا ترك الإشهاد فرط فلا يرجع 31/ ب وها هنا الأمر مفوض إلى المضمون عنه فإنه حاضر، فكان سبيله أن يحتاط لنفسه، فإذا لم يفعل كان التفريط من جهته فاستحق الضامن الرجوع عليه.
وفرع ابن سريج على هذا فقال: لو ادعى الضامن أنه قضى الدين وصدق المضمون له وكذبه المضمون عنه فيه وجهان:
أحدهما: القول قول المضمون عنه لأن الضامن منهم في قوله والمضمون له يشهد على فعل نفسه فلا تقبل شهادته على فعل نفسه.
والثاني: القول قول الضامن ويرجع على المضمون عنه لأن المضمون له قد اعترف بأن الدين الذي في ذمة المضمون عنه صار لغيره وهو الضامن فيقبل لأنه أقر بما هو ملكه لغيره. ولأن الإقرار يقوم مقام البينة ولو ثبت القبض بالبينة رجع كذلك إذا ثبت