وليس كذلك لأن للشافعي كتاب الشركة في اختلاف العراقيين ونقل الربيع والبويطي شيئًا منها. وقيل: قوله الشركة من وجوه غلط بل الصحيح إذا شركة من وجه واحد وهو أن يجعلا شريكين في المال، وإنما أسباب الشركة كثيرة من الإرث والهبة للجماعة والغنيمة والشراء، بين جماعة. ولأنه ذكر وجوهًا وكلها جهات الشيوع لا حقيقة ما يسمى شركة، فإن اسم الشركة في الشريعة وعرف اللسان يقتضي مع الشيوع صفة أخرى وهي أن يأذن كل واحد منهما للآخر في التصرف، وجملة ذلك أن الشركة مباحة إذا كان الشريكان مسلمين فإن كان أحدهما مسلمًا والآخر كافرًا كرهناه، سواء كان المتصرف المسلم أو الكافر.
وحكي عن الحسن البصري 44/ أ رحمه الله أنه قال: إن كان المتصرف المسلم لا يكره وان كان المتصرف الكافر أو هما كره لأن الكافر يتصرف في المباح والحرام بخلاف المسلم وهذا غلط لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أكره أن يشارك المسلم اليهودي والنصراني والمجوسي لأنهم يربون والربا لا يحل ولا مخالف له. ولأن مال اليهود ليس بطيب فإنهم يبيعون الخمور ويتعاملون بالربا فكرهت مشاركتهم.
ثم أعلم أن الشركة على ستة أضرب في الرقاب والمنافع، وفي الرقاب دون المنافع، وفي المنافع دون الرقاب. وفي المنافع المباحة، وفي حقوق الأبدان، وفي حقوق الأموال.
فأما التي في الرقاب والمنافع معًا: فالشركة في الأعيان المملوكة كالعقار والحيوان والنيل والبغال والحمير والثياب ونحو ذلك.
وأما في الرقاب دون المنافع وفي المنافع دون الرقاب بأن يوصى لجماعة بمنفعة دارٍ على التأبيد فتكون المنفعة دون الرقبة مشتركة بين الموصى لهم بها والرقبة دون المنفعة مشتركة ين الورثة.
واختلف قول الشافعي في الوقت على قولين: أحدهما: تنتقل رقبة الوقف إلى الله تعالى لا إلى مالك فعلى هذا يكون أهل الوقف شركاء في المنافع دون الرقاب. والثاني: أنها تنتقل إلى الموقوف عليه فعلى هذا يكون أهل الوقف شركاء في المنافع والرقاب معًا.
وأما الشركة في المنافع المباحة فهي مانع الكلب إذا مات وله ورثة وخلف كلابًا كانوا شركاء في منافعها والمنفعة غير مملوكة لهم لأنها لا تضمن بالغصب. وهكذا لو أوصى بمنفعة كلب لجماعة.
وأما الشركة في حقوق الأبدان فالقصاص، وحد القذف إذا ورثوا قصاصًا أو حد قذف كانوا فيه شركاء، وإنما يختلفان من وجه وهو أن القصاص حق لهم ولكل واحٍد منهم قدر نصيبه من الميراث، وحد القذف حق لهم ولكل واحٍد منهم تمامه حتى لو ترك واحد منهم حقه كان للباقين الاستيفاء، ولو عفا عنه الكل إلا واحدًا كان لذلك الواحد أن يستوفيه.
وأما الشركة في حقوق الأموال: فالآخذون بالشفعة يستحقون 44/ ب الشفعة بالشقص الذي هو شركة بينهم. والقصد من هذا الكتاب الشركة لابتغاء الفضل