فهما في ملك العرض الثاني سواء لأنهما كانا في العرض سواء.
ثم اختلف أصحابنا في أنهما هل يفتقران إلى العلم بقيمة العرضين؟ على وجهين:
أحدهما: يفتقران إليه ليعلما ما يحصل لهما من فضل أو يرجع عليهما من عجز.
والثاني: لا يفتقران إليه لا ليعلما ما يحصل لهما من فضل أو يرجع لأنهما لما
تساويا في ربحه ونقصه لم يكن بهما حاجة إلى تمييز الربح من الأصل، فإن قيل: لم قيد المزني أصل المسألة بالنصف وما معنى التقدير به، ولو تبايعا ثلثًا بثلثين أو ثلثًا بثلث جاز. قلنا: لا بد للمصنف من عبارة الإفهام فإن عاد قال: نصفًا بنصف، وإن شاء قال: بعضًا ببعض ولو قال: بعضًا ببعض كان أولى وأعم ولكنه لعله أراد أن يفرغ عليه قوله لا فضل لأحدهما على الآخر في الربح فصور المسألة في المناصفة ليستقيم 46/ أ التفريع.
فإن قال قائل: ما معنى قول المزني: ولا تجوز الشركة في العروض ولا فيما يرجع في حال المفاصلة إلى القيمة العروض؟. قلنا: ليس كذلك وله بالعروض مقصود وهو ما سوى النقود وبقوله: ما يرجع في حال المفاضلة إلى القيمة مقصود آخر وهو النقود المختلفة وذلك أن بضاعة أحد الشريكين لو كانت دنانير هروية وبضاعة الآخر دنانير نيسابورية لم تجز الشركة بينهما لأنهما وإن خلطتا كانتا ممتازتين، وكذلك إذا كانت إحديهما مكسرة والأخرى صحيحة أو إحديهما عتيقة والأخرى حديثة فيحتاج إلى التقويم عند المفاصلة لإيصال كل واحد منهما إلى حقه. وعند أبي حنيفة يجوز، وإن اختلفا في الجنس والنوع والصفة.
وقال أيضا: يجوز وإن كان لأحدهما دنانير وللآخر دراهم لأنهما يجريان مجرى الجنس الواحد. وقيل: في لفظ المزني خلل لأنه قال في أول الكتاب: الشركة من وجوه الغنيمة ونظائرها، ثم قال: والذي يشبه قول الشافعي أنه لا تجوز الشركة في العروض، ومعلوم أن الغنائم والمواريث قد تكون عروضًا، ومراد المزني بما ذكر في أول الباب بيان شيوع الأملاك ومراده في هذا الموقع شركة التصرف وكان ينبغي أن يهذب الألفاظ فيقول بعدما ذكر وجوه الشركة: لا تصح شركة التصرف في العروض ليستقيم ذلك.
والوجه الثاني ذكره البصريون: أن يشتري نصف عبد صاحبه بمائة ويبيع من صاحبه نصف عبده بمائة ويتقاصان الثمن أو يتباريانه فيبقى العبدان شركة بينهما وهذا قريب مما قاله المزني، وما قاله المزني أحصر.
والوجه الثالث ذكره البغداديون أن يكون لكل واحٍد منهما عرض فيشتركا في شراء متاع بثمن في ذمتهما ثم يدفع كل واحٍد منهما عرضه بما عليه من ثمن المتاع، وهذا في الحقيقة لا يكون شركة في العروض بل هو شركة في المتاع بثمن في الذمة وكان العرض عوضًا فيه، وذكر أبو العباس ابن سريج: هذا الوجه أن يكون لكل واحٍد منهما عبدًا فيشتريان عبدين بألف فيكون على كل 46/ ب واحٍد منهما من الثمن خمسمائة