التوثق بالإشهاد مع حضور الإذن إنما يتوجه إليه دون الدافع على الصحيح من المذاهب فلم يكن من الدافع تفريط بترك الإشهاد، ولذلك لم يضمن.
فصل
والضرب الثاني: أن يكون المودع المصدق على الدفع والآذن غائباً عن الدفع، فلا يخلو حال الدفع المأذون فيه من ستة أقسام:
أحدهما: أن يكون قرضاً.
والثاني: أن يكون عارية والحكم في هذين القسمين سواء، والدافع ضامن لما دفع وأنه صدقه الآذن على الدفع، لأنه قد كان يجب عليه أن يشهد على الدفع ليتمكن الآذن بالشهادة أن يرجع ببدل القرض وقيمة العارية، فصار بترك الإشهاد مفرطاً، فلزمه الغرم وإن كان مصدقاً فلو كان قد أشهد شاهدين عدلين فماتا لم يضمن، لأن ما يلزمه من الإشهاد قد فعله، ولكن لو كان قد أشهد عبدين، أو كافرين لزمه الضمان، ولو أشهد شاهدين فاسقين، فإن كان فسقهما ظاهراً وإن كان باطناً ففي ضمانه وجهان:
أحدهما: يضمن كالفسق الظاهر، لأنه الشهادة بردهما.
والثاني: يضمن، لأن من الحكام من لا يحكم بها فصار ذلك تقريراً.
فصل
والقسم الثالث: أن لا يكون الأمر بالدفع قضاء لدين فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون على المودع فيه شهادة فيضمن الدافع، لأنه لم يشهد بالدفع فيبرأ المودع من المطالبة بالدين، وإن لم يكن على المودع فيه شهادة ففي ضمان الدافع فيه وجهان:
أحدهما: لا يضمن، لأن للمودع أن يحلف على الدين إن طولب به فيبرأ المودع من المطالبة بالدين، وإن لم يكن على المودع فيه شهادة ففي ضمان الدافع فيه وجهان:
أحدهما: لا يضمن، لأن للمودع أن يحلف على الدين إن طولب به فيبرأ.
والثاني: أنه ضامن، لأن إذنه يضمن دفعاً لا يتعقبه مطالبة ولا يتوجه فيه يمين، فصار بمخالفة من ترك الشهادة مفرطًا والله أعلم.
فصل
والقسم الرابع: أن يكون الأمر بالدفع هبة.
فإن قيل: إنه المكافأة فيها لا تستحق لم يضمن الدافع بترك الإشهاد. وإن قيل: إن المكافأة مستحقة ضمن، لأن الأمر لا يصل إليها بترك الإشهاد.