وقال عطاء بن السائب: الغنيمة ما ظهر عليه من أموال المشركين، والفيء، ما ظهر عليه من الأرضين، وهذا قول شذ به عن الكافة فكان مطرحاً معمل في الفيء من قول الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الحشر:7، ولم يقل من القرى.
والأصل في الغنيمة قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الأنفال: 41.
والأصل في الفيء قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الحشر:7 الآية.
فصل
وقد كانت الغنيمة محرمة على من تقدم من الأنبياء، وكانت تجمع فتنزل نار من السماء فتحرقها إلى أن أحلها الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي" إلى أن قال: "وأحلت لي الغنائم" (1) الحديث. فجعلها الله تعالى في صدر الإسلام ملكاً لرسوله - صلى الله عليه وسلم - خالصاً دون غيره بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ} الأنفال: 1 والأنفال: هي: الغنائم؛ لأن النفل في كلامهم هو الزيادة من الخير، ومنه صلاة النافلة، وقال لبيد بن ربيعة (2).
إن تقوى ربنا حير نفل وبإذن الله ريثي والعجل
فسميت الغنائم أنفالاً، لأنها زيادة مال مستفاد، وفي السبب الذي نزلت هذه الآية من أجله ثلاثة أقاويل:
أحدهما: أن أهل بدر شكوا في غنائمها فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَال} الأنفال:1. ولم يعلموا حكم إباحتها وحظرها حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الأنفال: 1.
والثاني: أن شبان المقاتلة يوم بدر تسارعوا إلى القتال، وثبت الشيوخ تحت الرايات، فلما فتح الله عليهم مال الشبان: نحن أحق بالغنائم لقتالنا، وقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردا، لكم، فانزل الله تعالى هذه الآية فيهم (3).
والثالث: أن من شهد بدراً من المهاجرين والأنصار اختلفوا وكانوا أثلاثاً في الغنائم أيهم أحق بها فنزلت هذه الآية فيهم، وجعلها الله ولرسوله دونهم حسماً لتنازعهم، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم على رأيه واجتهاده وأدخل منهم ثمانية لم يشهدوا بدراً، منهم عثمان بن عفان، وطلحة - رضي الله عنهم - أما عثمان فلتشاغله بتمريض زوجته رقية بنت