فأعطانيه فبعث الدرع فابتعت به مخرقاً في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام، ووجه الدلالة منه أن وسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ذلك بعد الوقعة، وإجازة الغنيمة وبعد قتل أبي قتادة للكافر، فعلم أنه يستحق بالقتل لا بالشرط، فإن حملوا على شرط تقدم منه لم يصح من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه إثبات ما لم ينقل.
والثاني: أنه بيان شرع وإن تقام كما يكون بيانه، لأنه نقل سبب علق عليه حكم.
والثالث: أنه لو تقدم شرط لأخذه أبو قتادة ولم يدعيه أو لا يشهد لنفسه على قتله،
فإن قيل: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل السلب للقاتل بالبينة، وقد أعطاه أبا قتادة بغير بينة فدل على أنه أعطاه نفلاً لاحقاً، فعن ذلك جوابان:
أحدهما: أن من كان يده على السلب فقد صدقه فلم يحتج إلي بينة.
والثاني: روى أنه شهد لأبي قتادة اثنان عبد الله بن أنيس والأسود بن خزاعي، ويدل عليه من القياس أنه مال مغنوم، يستحق بسبب لا يفتقر تقديره إلى اجتهاد الإمام، فوجب أن لا يعتبر فيه شرط الإمام لسهم الغانمين طرداً أو النقل عكساً؛ ولأنه ذو سهم تحرر بنفسه في قتل كافر فقاتل فوجب أن يستحق سلبه قياساً عليه إذا شرطه الإمام له، وأما الجواب عن الآية فمن وجهين:
أحدهما: أن السلب خارج فيها؛ لأنه قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الأنفال: 41 وليس السلب ما غنموه وإنما غنمه أحدهم.
والثاني: أنه بيان لما فيه من الإجمال، وأما الجواب عن قوله: ليس لأحد إلا ما طابت به نفس إمام فمن وجهين:
أحدهما: أن نفس الإمام إمام الأئمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد طابت به فكانت أوكد من أن تطيب به نفس إمام من بعده.
والثاني: أنه عام يحمل على النفل، ويخص منه السلب، وأما حديث عوف بن مالك فهو دلل لنا من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن عوفاً وخالد اتفقا على أن السلب للقاتل، ولكن استكثره خالد، واستحقاق السلب لا يسقط بالكثرة.
والثاني: أن عوفاً حين أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل عن الشرط.
والثالث: أنه أمر خالداً برده على القاتل، فأما قوله لخالد حين غضب: "لا ترده" فتأديب منه لعوف حتى لا ينبسط الرعايا على الأمراء، ويحتمل أن يكون قد رده من بعد.
وأما الجواب عن إعطائه سلب أبي جعل لأحد قاتليه فالمروي أن ابني عفراء اثخنا أبا جهل جراحاً، وخر صريعاً فأتاه ابن مسعود ليجز رأسه، فقال له أبو جهل: من أنت؟ فقال ابن مسعود، فقال له أبو جهل: ابن أم عبد رويعينا بالأمس فمكن يديك وجز الرقبة مع الرأس إذا لقيت أمك فأخبرها أنك قتلت أبا الحكم ففعل ذلك، وأخذ رأسه مع