نفقاتهم وما يحتاجون إليه من مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم".
قال في الحاوي: وهذا كما قال: قد مضى الكلام في الغنيمة، وهو المأخوذ من المشركين عنوة بقتال، فأما الفيء وهو المأخوذ منهم بغير قتال فضربان:
أحدهما: ما تركوه علينا خوفاً ورعباً كالأموال التي بخلوا عنها وما بذلوه صلحاً في كفنا وردنا عن أنفسهم، فهذا بخمس ويكون خمسه كخمس الغنيمة مقسوم على السهام الخمسة.
والثاني: ما وصل إلينا من أموالهم في غير خوف ولا رعب كالجزية وعشر تجارتهم ومال من مات منهم في داونا ولا وارث له ففي تخميسه قولان: أصحهما: وهو الجديد أنه يخمس ويكون خمسه مقسوماً على السهام الخمسة لقوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الحشر: 7 ولأنه كالمتروك رعباً في كونه فيئاً فوجب أن يكون مخمساً.
والثاني: قاله في القديم أنه لا يخمس لأنه لما كان في الغنيمة مالاً يخمس وهو السلب كان في الفيء مالاً يخمس وهو العقر والأول من هذين القولين أشهر وأصح.
فأما أربعة أخماس الفيء ففي مصرفه الآن قولان للشافعي:
أحدهما: أنه مصروف في صالح المسلمين العامة من أرزاق المقاتلة والأئمة والقضاة وبناء الحصون والمساجد والقناطر وإعداد القراع والسلاح؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتملك ذلك فيصرفه في هذه الصالح، فكذلك بعد موته.
والثاني: أنه مصروف في أرزاق الجيش المقاتلة الخاصة المندوبون لجهاد العدو والذب عن البيضة والمنع من الحريم، لأنهم القائمون بذلك بعد الرسول فملكوا بعده ما كان له، وجملة المجاهدين ضربان: مرتزقة، ومتطوعة.
فأما المرتزقة فيهم الذين فرغوا أنفسهم للجهاد فلم يشاغلوا إلا به، وثبتوا في الديوان فصاروا جيشاً للمسلمين، ومقاتلة للمشركين فهؤلاء يرزقون من أربعة أخماس الفيء، ولا حق لهم في الصدقات وأما المتطوعة فهم أرباب المعاش والصنائع والأعراب الذين يتطوعون بالجهاد إن شاءوا ويقعدون عنه إن أحبوا، ولم يثبتوا في الديوان، ولا جعل لهم رزق فهؤلاء معطون من الصدقات من سهم سبيل الله، ولا حق لهم في الفيء، ولهذا تميز أهل الصدقة عن أهل الفيء وقد كان المتطوعية يسمون أعراباً، ويسمى المقاتلة مهاجرين فتيمزوا بهذين الاثنين لتميزهم في المالين، ومنه قول الشاعر (1):