السابقة والنسب الذي لو جاز أن يستحق به التفضيل لكان أسرع إلى هواه من التسوية ولكن إتباع الدلالة أحق.
مسألة (1)
قال الشافعي: "وعليهم أن يغزوا إذا غزا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه فان استغنى مجاهده بعدد وكثرة من قربه أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح ليس لأحد من أهل الفيء والأعراب أن ينزوا إلا بأمر الإمام وإذنه لأمور.
منها: أنه لم يكن أحد يغزو على عهد عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بأمره وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده، ولأن الإمام أعرف بأحوال العدو، وفيما هم عليه من قوة وضعف وخصب وجدب واختلاف ووفاق وينفذ من الجيش من يكافئ العدو في القلة والكثرة والقوة والضعف ولأنهم ربما اضطروا لتكاثر العدو عليهم إلى مدد فيمدهم، ولأنهم ربما احتاجوا إلى ميزة فيميزهم، ولأنه ربما عرف لاتصال الأخبار به من مكامن العدو وما سددهم.
فبهذه الأمور ونظائرها ما منعوا من الغزو إلا بأمرهء فإذا أمرهم بالغزو لزمتهم طاعته وإجابته، فإن لم يطيعوه مع ارتفاع الموانع سقطت أرزاقهم، لأن ما يرزقون من العطاء في مقابلة ما يأخذون به من الجهاد، فإذا قعدوا عنه بعد الأمر سقط ما يعطونه عليه من الرزق كالزوجات لما استحقوا نفقاتهم بالطاعة سقطت بالنشوز، وإذا كان كذلك فينبغي للإمام أن يستفسر من الجهاد مع المكنة إتباعاً لأمر الله تعالى واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحقيقا لوعده تعالى وإظهاراً على الدين كله، وأقل ما عليه أن يغزو في كل عام مرة إما بسنفه أو خلفائه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تركه في كل عام منذ فرض عليه الجهاد، وكي لا يمضي عطا، العام هدراً، وكي لا يقوى العدو بالمشاركة، وكي لا يألف أهل الجهاد الراحة.
فصل
قال الشافعي (2): "الإمام في إغزائهم رأيه" يعني: في الزمان الذي يأمرهم بالغزو إليه والعدد الذي يقتصر عليهء فإذا أراد ذلك اختار لهم من الزمان أولاه، ومن المكان أدناه، ويندب عن كل طائفة إلى من يليها، ولقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ} التوبة: 123 ولأن كل قوم بمن يليهم أخبر، وعلى قتالهم أقدر ما يتكلفونه من المؤنة في قتالهم أيسر، فلا ينفذ أهل ثغر إلى غيره إلا لأحد أمرين:
إما أن يلم أهله فينقلهم عنه إلى الجهة التي لم يسلم أهلها وليتوطنوا فيما يقابلها ويليها.