فأخبر أنها مقسومة ثمانية أجزاء، وأن الواحد لا يعطى منها إلا قدر حقه، وهذا نص لا يحتمل خلافه ولأنه مال أضيف شرعاً إلى أصناف فلم يجز أن يختص به بعض تلك الأصناف كالخمس ولأنه مال لو جعل لصنف واحد لم يعده فوجب إذا جعل الأصناف أن يقتسموه كالوصايا ولأن الفقراء أحد أصناف الصدقات فلم يجز أن يختصوا بها كالعاملين.
فأما الجواب عن استدلالهم بقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} البقرة:271 فهو أن المقصود بالآية تفضيل الإخفاء على الإبداء لإتيان المصرف، وإنما قصد بيان المصرف، في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ِ} التوبة:60 الآية فوجب أن يقضي بهذه الآية على تلك أو تحمل هذه على الفرض وتلك على التطوع.
وكذلك الجواب عن قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)} الذاريات:19 على أنه جعل للسائل والمحروم في ذلك حقاً ولا يتمنع أن يكون لغيرهم فيه حق.
وأما الجواب عن قوليه - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم" فمن وجهين:
أحدهما: أنه متروك الظاهر لأن أبا حنيفة وإن جوز دفعها إلى الفقراء فليس يمنع من صرفها في غيرهم من الأصناف فيكون معنى قوله في "فقرائكم" أي في ذوي الحاجة منكم وجميع أهل الأصناف من ذوي الحاجات وإن اختلفت حاجاتهم.
والثاني: المقصود بالخبر عود الصدقات علينا وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يستبد بشي، منها دوننا فحمل الخبر على مقصوده كالذي رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في سائمة الإبل: "في كل أربعين ابنة لبون من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمه من عزمات ربنا ليس لآل محمد منها شيء" (1) فحمل هذا الخبر على المقصود به في أنه ليس لآل محمد فيها شيء، ولم يحمل على أخذ الشطر إن منع.
وأما الجواب عن حديث سلمة بن صخر الأنصاري. فمن وجهين:
أحدهما: أنه يحتمل أن يكون صدقة بني زريق كانت وقفاً لا زكاة فلا يكون فيها دليل.
والثاني: أن معناه فليدفع إليك حقك منها، أو يكون: لم يبق منها إلا حق فيعتبر واحد فدفعه إليه.
وأما الجواب عن استدلالهم لما جاز دفعها إلى بعض الصنف جاز دفعها إلى بعض الأصناف فهو أن دفعها إلى بعض الصنف تخصيص عموم فجوزناه ودفعها إلى بعض