الكفاية على الدوام من غير أن يعتبر النصاب ولأن من عجز عن الكفاية الدائمة زال عنه حكم الغنى كالذي لا يملك نصاباً، ولأن ملك النصاب والحاجة معنيان مختلفان يجوز اجتماعهما فجاز اجتماع حكمهما، وهما أخذ الصدقة منه بالنصاب ودفعها إليه بالحاجة كالعشر؛ ولأنه لما لم يكن ملك قيمة النصاب من المتاع والعروض يمنح من أخذ الصدقة لأجل الحاجة لم يكن ملك النصاب مانعاً منها لأجل الحاجة.
وتحريره: أنه ذو حاجة فلم تحرم عليه الصدقة بالقدرة على نصاب كمالك المتاع.
وأما الجواب عن استدلال أحمد بحديث ابن مسعود فهو أنه لم يقصد به تحديد الغنى في جميع الناس وإنما أراد به من كانت كفايته خمسين درهماً، بدليل ما روى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سأل الناس وله قيمة أوقية فقد ألحف" (1) يعني لمن كان مكتفياً بها.
وروى سهل ابن الحنظلية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سأل وعنده ما يغنيه فقد استكثر من النار" (2) قيل: وما يغنيه، قال: قدر ما يغذيه ويعيشه وهذا فيمن يكتسب بصنعته قدر عشائه وغذائه.
وأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم" فهو أنه قصد بذلك إنما يأخذه من صدقاتهم ليس يأخذه لنفسه وأهله، وإنما يرده على فقرائهم من ذوي الحاجات، وليس يمنع أن يكون المأخوذ منه مردوداً عليه كالعامل وابن السبيل، وكالمأخوذ منه العشر والعشر عندنا زكاة، وأما إذا كان واجداً لكفاية فتحرم عليه الزكاة لوجود الكفاية لا يملك النصاب فلم يصح قياسهم.
وأما استدلالهم بأنه لا يخلو اعتبار الكفاية من أن يكون بالعمر أو بزمان مقدر فقد اختلف أصحابنا في ذلك، فكان مذهب أبو العباس بن سريج إلى أنه معتبر بزمان مقدر وهو سنة وذلك أولى من اعتباره بأقل منهما أو أكثر، لأن الزكاة تجب بعد سنة، فاعتبر في مستحقها لكافية السنة، وذهب سائر أصحابنا إلى أنه يعتبر في ذلك كفاية العمر ولئن كان العمر مجهولاً فالكفاية فيه لا تجهل؛ لأن كفاية الشهر من أجل معيناً أو صنعة تدل على كفاية العمر وإن جهل.
فإن قيل: فقد يمرض فيعجز عن الكسب أو يغلا السعر فلا يكتفي بذلك القدر.
قيل: إذا كان ذلك صار حينئذ من أهل الصدقة كما أنه قد يجوز أن يملك النصاب فيصير من أهل الصدقة.
مسألة (3)
قال الشافعي رحمه الله: "ويأخذ العاملون عليها بقدر أجورهم في مثل كفايتهم