أحدهما: أن جميع الحلة من الفرق كلها جيران له اعتباراً باتفاقهم في النجعة، وإن تفرقوا في البقعة كما يتفرق أهل الأمصار في محالهم، ويكونوا جيرة إذا جمعهم المصر.
والثاني: أن جيرانه منهم من هو في بقعته دون من فارقه اعتباراً بالمكان فعلى الوجه الأول إن عدل بزكاته إلى غير طائفة من فرق الحلة لم يكن ناقلاً لها، وعلى الوجه الثاني يكون ناقلاً لها.
مسألة (1)
قال الشافعي: "وإذا ولي الرجل إخراج زكاة ماله قسمها على قرابته وجيرانه فإن ضاق فآثر قرابته فحسن".
قال في الحاوي: وإن كان لرب المال أقارب فلا يخلو أن يكونوا جيرانًا أو أباعد، فإن كان أقاربه جيراناً فلا يخلو أن يكون معهم أجانب أم لا، فإن لم يكن معهم أجانب فقد استحقوا زكاة ماله بالجوار وجاز الفضيلة بالقرابة وإن كان معهم أجانب، فعلى ضربين:
أحدهما: أن تسع زكاته للأقارب والأجانب فيفضها على الفريقين.
والثاني: أن تضيق زكاته على الفريقين فأقاد به أولى بزكاته من الأجانب لكن اختلف أصحابنا هل الأفضل أن يخلط بأقاربه نفراً من الأجانب أو يتوفر بها على أقاربه؟ على وجهين:
أحدهما: أن يتوفر بها على أقاربه للخبر المتقدم.
والثاني: أن الأولى أن يخلط بهم نفراً من الأجانب لقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15)} البلد:14 - 15 فجمع بين القريب والبعيد في استحقاق الثناء.
فصل
فأما إذا كان جيرانه أجانب وأقاربه أباعد فجيرانه الأجانب أولى بزكاته من أقاربه الأباعد وقال أبو حنيفة: أقاربه الأباعد أولى من جيرانه الأجانب، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صدقة امرئ وذو رحمه محتاج" ولأن اجتماعهم في النسب صفة لازمة واجتماعهم في الجوار صفة زائلة، ولأن النفقة لما وجبت بالنسب دون الجوار كان اعتبار النسب في الزكاة أولى من اعتبار الجوار.
ودليلنا عموم قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} النساء:36 الآية وعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الجار أحق بسقبه" (2) أي بقربه ولأنه لما تميز الأقارب بوجوب النفقة تميز الجيران باستحقاق الزكوات؛ ولأنه لما كان جيرانه في الحرب كان جيرانه في بلده أولى بها من