فاعلم أولًا أنه ليس له أن يسافر بالمال بغير إذن رب المال كما قلنا في الوديعة.
وقال أبو حنيفة: له أن يسافر به، وقال أبو يوسف: له أن يسافر به إلى حيث لا يلزمه إليه مؤونة وهذا غلط لأن الغالب من السفر الخوف فلا يجوز ذلك، فإن سافر من غير إذنه ضمن، وإن سافر بإذن مالكه فكل ما يعمله رب المال بنفسه في ماله إذا سافر فعليه أن يعمله بنفسه مثل الإشراف على رفع المتاع وجمعه في مكاٍن واحٍد وإحرازه وليس عليه أن يلي الرفع والحط بنفسه ولا نقله من مكاني إلى مكاٍن بل يستأجر من يلي عنه هذا فإن خالف 117/ أ فالحكم ما ذكرنا في الحضر.
وأما نفقته على نفسه من اللباس والمركوب والمأكول والمشروب نقل المزني: وله النفقة بالمعروف، وروى البويطي عن الشافعي أنه قالب وليس للعامل أن يأكل ولا يكتسي من مال القراض في سفر ولا حضر إلا بإذن صاحبه، واختلف أصحابنا فيه قال أبو إسحاق: المذهب ما نقله البويطي أنه ليس له أن ينفق على نفسه من مال المضاربة، ولا نعلم للشافعي في قديم ولا جديد أنه ينفق على نفسه وقوله ها هنا له النفقة بالمعروف أراد به المؤن التي ذكرناها من كراء الجمل والرفع وكراء البيت الذي يحفظ فيه وبه قال أكثر أصحابنا، ومن أصحابنا من قالب فيه قولان:
أحدهما: هذا لأنه ربما لم يكن الربح إلا مقدار نفقته فيؤدي إلى الاسترداد بالربح ولأنه استحق نصيبه من الربح بالعمل فلا يستحق شيئًا آخر.
والثاني: له أن ينفق على نفسه من مال القراض وبه قال مالك وأبو حنيفة لأنه سافر لأجل هذا المال فوجب أن تكون نفقته منه كما نقول في كراء الجمل والبيت الذي يحفظ فيه المال ونحو ذلك، وهذه الطريقة اختارها أبو حامد وجماعة وهذا ظاهر ما نقل المزني ولا يجوز تأويله بما فكره أبو إسحاق لأن ذلك لا يسمى نفقة بل يسمى كراء، فإذا قلنا: له النفقة اختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال: ينفق جميع ما يحتاج إليه من نفقة الحضر والسفر، ومنهم من قال: ينفق ما زاد بالسفر وأما ما يحتاج إليه من نفقة الحضر فلا تأثير للمال فيها فتجب نفقة مركوبه في سفره وملبوسه المختص بالسفر ونحو ذلك وبه قال مالك وأبو حنيفة وهذا أصح.
وحكي عن مالك أنه قال: له أن ينفق منه ما جرت العادة بمثله لأهل الأسواق وذلك أن يتغذى ولا يرجع للغذاء إلى بينه ويعطي السقاء قطعة ونحو ذلك ويجوز لم ذلك في الحضر أيضًا وعلى هذا هل يجب أن يجب أن يكون مقدار ما ينفق معلوما مشروطًا 117/ ب في عقد القراض؟ قولان:
أحدهما: يجب أن يكون مقدار ما ينفق معلومًا مشروطًا في عقد القراض لأن تقديرها أدفع للجهالة. قال المزني في "الجامع الكبير": والذي أحفظ أنه لا يجوز القراض إلا على نفقة معلومة في كل يوم وثمن ما يشتريه ليلبسه في عمله.
والثاني: لا تتقدر لأنه قال ها هنا: وله النفقة بالمعروف ولم تتقدر، وقال ابن سريج: قدير النفقة ضعيف، وقال أبو إسحاق: تقديرها يتعذر وهو ضعيف جدا لأن