روي أن رجلًا باع مبيعًا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدل ذلك على أن حبس البيع باطل.
وأما قياسهم على صدقة التمليك فإنا نقلبه، فنقول: فوجب أن يكون وجود حكم الحاكم وعدمه سواء.
أصله: ما ذكروه ثم لا يمتنع أنه لا يلزم بمجرد القول إذا أخرجه بلفظ الصدقة، وإذا أخرجه بلفظ الوقف لزم ألا ترى أن هبة العبد لا تلزم بمجرد القول، وعتقه يلزم بمجرد القول، وأما قياسهم على عقد الإجارة فهو إنا لا نسلم أنه عقد على منفعة وإنما هو عقد على الرقبة، لأن الوقف مزيل الملك عن الرقبة، فهو كالعتق، وأما استدلالهم الأخير فهو أنه لا يمتنع أنه لا يلزم إذا أتى بصريح المعنى، ويلزم إذا أتى بلفظة كما قال عن عقد النكاح أحللت لك هذه المرأة وأبحتها لك لم صح النكاح وقد صرح بمعناه ولو قال: زوجتك أو أنكحتك جاز ذلك والله أعلم.
فصل:
ذكر أصحابنا تفسير السائبة، والبحيرة، والوصية، والحاك، فأما السائبة فهي الناقلة تلد عشرة بطون كلها إثات فتسيب تلك الناقة فلا تحلب إلا للضيف ولا تركب، والبحيرة: ولدها الذي يجيء به في البطن الحادي عشر فإذا كان أنثى فهي البحيرة، وإنما سموها بذلك، لأنهم كانوا ينحرون أذنها أي يشقونها، والنحر الشق، ولهذا سموا البحر بحرًا لأنه شق في الأرض.
وأما الوصيلة فهي الشاة تلد خسمة بطن في كل بطن عناقان فإذا ولدت بطنًا سادسًا ذكرًا أو أنثى قالوا: وصلت أخاها فما ولدت بعد ذلك يكون حلالًا للذكور وحرامًا للإناث وأما الحام فهو الفحل ينتج من ظهره عشرة بطون فيسيب ويقال: حمى ظهره فكان لا يركب.
فصل:
ليس من شرط لزوم الوقف عندنا القبض وقال محمد بن الحسن: من شرط لزومه القبض كالهبة.
ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "حبس الأصل وسبل الثمرة" ولم يأمره بالإقباض ولأنه جعل إليه التحبيس، وعقد المخالف لا يملك الواقف للتحبيس؛ لأنه تصير بوقفه لازمًا حتى يقبضه من غيره وذلك سبب من جهة غيره، ولأن عمر وقف تلك السهام التي ملكها من أرض خيبر فكان يلي صدقته حتى قبضه الله، وكذلك وقف علي كرم الله وجهه ولم يزل يلي صدقته حتى قبضه الله عز وجل ولم تزل فاطمة عليها السلام تلي صدقتها حتى لقيت الله، فدل ذلك على أن الوقف يلزم قبل القبض، فأما ما ذكره المخالف فهو أنا لا تسلم أنه عطية، لأن الوقف بمنزلة العتق، والعتق والعقد لا يسمى عطية، فكذلك الوقف ثم المعنى في الأصل إن ذلك تمليك بدليل أن الموهوب له يملك التصرف في الموهوب