والثامن: الهبة بمن أعان بجاه أو بمال؛ لأن المقصود بها المكافأة، فهذا النوع من الهبة على هذه الأوجه الثمانية لا يستحق عليها المكافأة، وإذا أقبضها الموهوب له بعد القبول فقد ملكها مستقرا كالذي يملك بابتياع أو ميراث.
فصل:
وأما ما يقتضي المكافأة فهو ما سوى هذه الوجوه مما يظهر أن المقصود بها طلب المكافأة عليها ففي وجوب المكافأة قولان:
أحدها: وهو قوله في القديم، وبه قال مالك: أن المكافأة عليها واجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم لسلمان: " إنا نقبل الهدية ونكافئ عليها" ولرواية أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة مكافأة فلم يرضى فكافأه فلم يرضى فلم يزل يكافئه حتى رضي ثم قال: " هممت أن لا تهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقتي" وإنما خص هذا، لأنهم مشهورون بسماحة النفوس وقلة الطمع فلولا وجوب المكافأة لما صبر على طمع الأعرابي وآذاه؛ لأن العرف الجاري في الناس المكافأة بها يجعله كالشرط فيها ويكون قبول الهبة رضي بالتزامها.
والثاني: وبه قال في الجديد، وهو مذهب أبي حنيفة أن المكافأة عليها غير واجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" ولأن ما صح تملكه من غير ذكر بدل لم يستحق فيه البدل كالوصية والصدقة، ولأن العقود لا يختلف استحقاق البدل فيها باختلاف العاقدين لها اعتبارا بسائر العقود من البيع والإجارة في استحقاقه، والوصية والعارية في إسقاطه.
فصل:
فإذا تقرر بوصية القولين فإن قلنا بأن الثواب لا يجب فإن المكافأة لا تستحق فأثاب الموهوب له وكافأ فهي هبة مبتدأة لا يتعلق حكم واحدة من الهبتين بالأخرى، فلو استحقت إحداهما أو ظهر بها عيب فالأخرى على حالها لا يجوز أن تسترجع، فإن شرط على هذا القول في نفسه ثوابا ومكافأة فعلى ضربين:
أحدهما: أن يكون الثواب الذي شرط مجهولا فالهبة باطلة، لاشتراط ما ينافيها.
والضرب الثاني: أن يكون معلوما ففيها قولان:
أحداهما: باطلة، لما ذكرنا من التعليل.
والثاني: جائزة، لأنها معاوضة على بدل معلوم كالبيع، فإن كان بلفظ الهبة فإذا قلنا ببطلان الهبة عند اشتراط الثواب معلوما كان أو مجهولا فالموهوب له ضامن بها