قال في الحاوي: وصورتها في أرض على نهر يعلو على ماء البئر فلا يقدر على سقيها إلا بأن يزيد ماء ذلك النهر حتى يعلو فيسقيها كأرض النيل والفرات وما انحدر من أرض دجلة، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يؤجرها عند زيادة الماء وعلوه، وإمكان سقي الأرض به فالإجارة جائزة لوجود الماء وإمكان الزرع، وليس ما يخاف من صدور نقصانه بمانع من صحة الإجارة لأمرين:
أحدهما: أن ما يظن من حدوث الأسباب المفسدة للعقد لا يمنع في الحال من صحته، كموت العبد، وانهدام الدار.
والثاني: أن حدوث النقصان إنما يكون عرفًا بعد اكتفاء الأرض وارتواء الزرع فلم يكن له تأثير.
والثاني: أن يؤجرها عن نقصان الماء وقبل زيادته فالإجارة باطلة لأمرين:
أحدهما: أن زرعها بعد العقد غير ممكن فصار استيفاء المنفعة متعذرًا.
والثاني: أن حدوث الزيادة مظنون قد يحدث ولا يحدث، وقد يحدث منها ما يكفي، وما لا يكفي، فلهذين بطلت الإجارة.
فصل:
فأما أرض البصرة ذات المد والجزر فإجارتها للزرع جائزة في وقت المد والجزر، لأنه معتاد لا يتغير المد عن وقته ولا الجزر عن وقته على حسب أيام الشهور وأحوال القمر لا تختلف عادته ولا يختلف وقته.
فصل:
فإذا كانت أرض من أراضي الجبال قد استقرت فيها نداوة المطر حتى يمكن زرعها به من غير مطر يأتي، ولا سيل يحدث جاز أن تؤاجر للزرع، وإن لم يكن له ماء مشاهد، لأن زرعها على حالها هذه ممكن، فصارت كالأرض ذات الماء.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "وَإِذَا تَكَارَاهَا وَالْمَاءُ قَائِمٌ عَلَيْهَا وَقَدْ يَنْحَسِرُ لَا مَحَالَةَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزَّرْعُ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْحَسِرُ لَا مَحَالَةَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزَّرْعُ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْحَسِرُ وَلَا يَنْحَسِرُ كَرِهْتُ الْكِرَاءَ إِلَّا بَعْدَ انْحِسَارِه".
قال في الحاوي: وصورتها في أرض دخلها الماء حتى علا عليها، وأقام فيها