ولأن من ملك زرعًا التزم عشره إن كان من أهله كالمستعير، ولأن اعتياض المؤجر عن منافع الأرض لا يوجب التزام حقوق الزرع كالنفقة.
فصل:
وأما أرض الخراج فضربان خراج يكون جزية، وخراج يكون أجرة، فالخراج الذي يكون جزية هو ما ضربه الأئمة على أرض أهل العهد مع إقرارها على ملكهم، فهذه الأرض إن زرعها أهل العهد وجب عليهم الخراج دون العشر، وإن أسلموا أو انتقلت عنهم إلى مسلم وجب العشر في زرعها وسقط الخراج، فإن استأجرها منه مسلم وجب الخراج عليهم لبقاء ملكهم عليها، ووجب العشر على المسلم لملكه للزرع، وأما الخراج الذي يكون أجرة كأرض السواد التي ضرب عمر رضي الله عنه عليها خراجًا جعله إما ثمنًا وإما أجرة على اختلاف الناس فيه فلا يسقط عن رقاب الأرض بإسلام أهلها، فإن زرعها مسلم هي بيده لزمه الحقان الخراج عن الرقبة والعشر عن الزرع.
وقال أبو حنيفة: عليه الخراج وحده دون العشر لأن لا يجتمع فيها حقان، وقد دللنا عليه في كتاب الزكاة في إيجاب الحقين معًا بما أغنى عن إعادته، ولو كان إسقاط أحد الحقين بالآخر لكان العشر المستحق بالنص أثبت وجوبًا من الخراج المضروب عن اجتهاد.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي اكْتِرَاءِ دَابَّةٍ إِلَى مَوْضِعٍ، أَوْ فِي كِرَائِهَا أَوْ فِي إِجَارَةِ الْأَرْضِ تَحَالَفَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَالزَّرْعِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ ".
قال في الحاوي: إذا اختلف المتكاريان في قدر الأجرة أو في قدر المدة أو في قدر المسافة تحالفا كما يتحالف المتبايعان إذا اختلفا، فإن أقام كل واحد منهما ببينته تعارضتا وفيهما قولان:
أحدهما: تسقط البينتان ويتحالفان.
والثاني: يقرع بينهما فأيهما قرعت يحكم بها.
وقال أبو حنيفة: إن اختلفا في قدر المسافة فقال رب الدابة اكتريتها من مكة إلى الكوفة فقال الراكب إلى بغداد فالقول قول رب الدابة مع يمينه، ولو أقاما على ذلك بينة فالبينة بينة الراكب لأنها أزيد، ولو قال رب الدابة اكتريتها بعشرين وقال الراكب بعشرة فالقول قول الراكب، فإن أقاما بينة فالبينة بينة رب الدابة لأنها أزيد.