والثاني: وهو قول أبي حامد المروروذي وأبي الفياض أن الغانمين أولى بالموات ملكاً، لأنه قد صار بالمنع تتبعاً للعامر فلما ملك الغانمون العامر ملكوا ما صار تبعاً له من الموات, فعلى هذا لا يملكه غيرها بالإحياء، ولا يفترض عليهم برفع اليد بتأخير الإحياء, ولا يجوز لغيرهم أن يأخذ من معادن هذا الموات شيئاً لا من ظاهر ولا من باطنها، وعلى الوجه الأول يجوز فهذا حكم ما فتح عنوة، وسيأتي حكم ما فتح صلحاً، والله أعلم.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَمَا كَانَ فِي قِسْمِ أَحَدِهِمْ مِنْ مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ لَهُ كَمَا يَقَعُ فِي قِسْمَةِ الْعَامِرِ بِقِيمَتِهِ فَيَكُونَ لَهُ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا قسم عامر بلاد العنوة بين الغانمين فحصل في قسم أحدهما من العامر معدن فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون ظاهرا، فهذا ملك لمن قسم له من الغانمين لا يجوز لأحد أن يشاركه فيه وان كان ظاهراً.
الثاني: أن يكون باطنا فلا يجوز أن يكون الإمام قد عرف حاله وقت القسم أو لم يعرف، فإن عرف حاله بعد ملكه للغانم بالقسم وان لم يعرف حاله ففيه وجهان:
أحدهما: قد ملكه كما يملك ما أحياه.
والثاني: لا يملكه لجهالة الإمام به، وان قسم المجهول لا يصح، فعلى هذا لا يملك المعدن وحده ويملك ما سواه مما قسم له، فإن لم يكن عليه في إفراده عن ملكه ضرر فلا خيار له ولا بدل، وان كان عله في إفراده ضرر فلا خيار له أيضا، لأن قسم الإمام لا يتعلق به المقسوم له خيار ولكن عليه أن يعطيه بدل النقص الداخل عليه بالضرر ما يكون عوضا عنه أو ينقص القسم من يعطيه غيره مما في سهمه.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَكُلُّ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ مِمَّا عُمِرَ مَرَّةً ثُمَّ تُرِكَ فَهُوَ كَالْعَامِرِ الْقَائِمِ الْعِمَارَةِ، مِثْلَ مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْهَارُ، وَعُمِرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى نَطْفِ السَّمَاءِ أَوْ بِالرِّشَاءِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لَمْ يُعْمَرْ قَطُّ مِنْ بِلَادِهِمْ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ".
قال في الحاوي: أعلن أن ما اندرست عمارته من بلاد المشركين حتى صار مواتا خرابا على ثلاثة أقسام.
أحدهما: أن تكون الشروط المعتبرة في إحيائها باقية فيه كأرض الزراعات إذا كانت مستباتها باقية وماؤها قائماً، وصارت بنيات الخشبتين فيها خراباً وبتأخير عمارتها مواتاً