فقد أقام بحقوقها. وربما استغنى عن بعض هذه الشروط في بعض اللقطة لأنه ربما وجد دينارًا أو درهمًا فلا يكون له عفاص ولا وكاء فلا يحتاج إلى معرفتها، والواجب من ذلك كله شرطان متفق عليهما وثالث مختلف فيه أحد الشرطين المتفق عليهما تميزها عن أمواله كلها بأي وجه تميزت به سواء احتاج معه إلى معرفة عفاص ووكاء أو لم يحتج والثاني التعريف الذي به يصل إلى معرفة المالك وإعلامه. وأما المختلف فيه فالإشهاد عليها ولأصحابنا في وجوب الإشهاد على اللقطة والملقوط ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الإشهاد فيهما واجب لما فيه من الوثيقة وفي تركه من التغرير.
والثاني: أن الإشهاد فيهما مستحب لأن الواجد مؤتمن فلم يجب عليه الإشهاد كالوصي والمودع.
والثالث: أن الإشهاد على التقاط المنبوذ واجب والإشهاد على أخذ اللقطة ليس بواجب والفرق بينهما أن اللقطة كسب مال فكان أمرها أخف واللقيط يتعلق به نسب وإثبات حرية فكان أمره أغلظ. ألا ترى أن البيع لما كان اكتساب مال لم يجب فيه الشهادة ولما كان النكاح مفضي إلى إثبات نسب وجبت فيه الشهادة.
فصل: فإذا تقرر ما وصفنا من شروطها فنشرح حال المقصود منها وهو التعريف والكلام فيه يشتمل على ثلاثة فصول:
أحدها: في مدة التعريف.
والثاني: في مكان التعريف.
والثالث: في صفة التعريف. فأما مدة التعريف فمذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء أنه يعرفها حولاً كاملًا ولا يلزمه الزيادة عليه ولا يجز به النقصان عنه وقال شاذ من الفقهاء يلزمه أن يعرفها ثلاثة أحوال لا يجزيه أقل منها استدلالًا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر واجد اللقطة أن يعرفها حولًا وروى في ذلك خبرًا. وقال آخر: يعرفها ثلاثة أيام استدلالًا بحديث علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتعريفها ثلاثًا. والدليل على وجوب تعريفها حولًا حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشانك بها».وحدثنا أبيّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتعريفها حولًا. ولأن الحول في الشرع أصل معتبر في الزكاة والحرية فكان أولى أن يكون معتبرًا في اللقطة ولأن الحول جميع فصول الأزمنة الأربعة وينتهي إلى مثل زمان وجودها فكان الاقتصار على ما دونه تقصيرًا والزيادة عليه مشقة. فأما الاستدلال الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يعرفها حولًا ثم حولًا فعنه جوابان:
أحدهما: أنه محمول على من اختار ذلك فسأله عن الجواز دون الوجوب.
والثاني: يحصل على أنه أمره ثلاث مرات أن يعرفها حولًا فكان الحول واحدًا والأمر به ثلاثًا.