والثاني: أنه قد ناب عن جمع الناس في إحيائه.
ولقوله تعالى: {وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى} المائدة: 2 ولقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ} الحج: 77 فدلت هذه الآية على الندب على أخذه والتوصل إلى حراسة نفسه وقد قال تعالى في قصة موسى صلى الله عليه وسلم: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} القصص: 8 طلبًا لحفظ نفسه ورغبة في ثوابه.
وروي أن منبوذًا وجد على عهد عمر رضي الله عنه فاستأجر له امرأة تكفله واستشار الصحابة في النفقة فأشاروا أن ينفق عليه من بيني المال. وروى الزهري عن أبي جميلة أنه قال: أخذت منبوذًا على عهد عمر رضي الله عنه فذكره عريفي لعمر فأرسل إليّ فدعاني والعريف عنده قال عسى الغوير أبؤسًا، فقال عريفي إنه لا يفهم فقال عمر: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: وجدت نفسًا مضيعة فأحببت أن يأجرني الله عز وجل فيها. قال: هو حر وولاؤه لك وعلينا رضاعه.
فصل: فإذا وجد الرجل لقيطًا فلا يخلو أن يجد معه مالًا أو لا يجد، فإن لم يجد معه مالأ تطوع يأخذه والنفقة عليه، وإن أبى أن ينفق عليه تطوعًا إما لعجز أو شح رفع أمره إلى الحاكم على ما ذكره وإن وجل معه مالًا؛ لأنه ربما فعل ذلك ليكون باعثًا على أخذه والقيام بتربيته، فذلك المال ملك له؛ لأنه لا يمتنع وإن كان طفلًا أن يكون ملكًا بميراث أو وصية؛ وإنما بحكم يملكه فيما كان بيده؛ لأن له يد توجب الملك كالكبير الذي ينسب إليه ويجري عليه حكم ملكه كلما كان عليه من ثياب أو حلي، أو كان تحته من فراش أو حصير، أو كان في يده من دراهم أو عنان فرس، أو كان راكبًا له من بعير أو فرس، فكل ذلك منسوب إلى يده كالكبير ومحكوم له به في ملكه.
فصل: فما وجد منفصلًا عنه فضربان:
أحدهما: أن يبعد عنه كالفرس المربوط على بعد أو كيس من دراهم أو ثوب فذلك غير منسوب إلى يده كما لا ينسب إلى يد الكبير ويكون لقطة.
والثاني: أن يكون ذلك قريبًا منه فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون الموضع آهلًا كبير المارة فهذا يكون لقطة أيضًا.
والثاني: أن يكون الموضع منقطعًا قليل المارة ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي والظاهر من كلام الشافعي أن يكون لقطة كالكبير الذي لا يملك ما يقاربه من المال إذا لم يكن له عليه يد.