فصل: وتجوز الوصية بثلث ماله وإن لم يعلم قدره. واختلف أصحابنا هل يراعي ثلث ماله وقت الوصية أو عند الوفاة؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول مالك، وأكثر البغداديين، أنه يراعي ثلثه وقت الوصية ولا يدخل فيه ما حدث بعده من زيادة، لأنها عقد والعقود لا يعتبر بها ما بعد.
والوجه الثاني: وهو قول أبي حنيفة وأكثر البصريين أن يراعي ثلث ماله وقت الموت، ويدخل فيه ما حدث قبله من زيادة، لأن الوصايا تملك بالموت فاعتبر بها وقت ملكها. فعلي هذين الوجهين: إن وصي بثلث ماله ولا مال له ثم أفاد مالًا قبل الموت، فعلي الوجه الأول تكون الوصية باطلة اعتبارًا بحال الوصية. وعلى الوجه الثاني تكون الوصية صحيحة اعتبارًا بحال الموت. وعلى هذين الوجهين: لو وصي بعبد من عبيده، وهو لا يملك عبدًا، ثم ملك قبل الموت عبدًا صحت الوصية إن اعتبر بها حال الموت، وبطلت، إن اعتبر بها حال القول. وعلى هذين الوجهين: لو وصي بثلث ماله، وله مال، فهلك ماله، وأفاد غيره، صحت الوصية في المال المستفاد إن اعتبر بها حال الوصية.
وأما الفصل الرابع: في الموصي إليه، فقد أفرد الشافعي للأوصياء بابًا استوفى فيه أحكامهم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: «فيما يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «ما حق امرئ مسلم» يحتمل ما الحزم لامرئ مسلم «يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من جهة الفرض. قال: فإذا أوصي الرجل بمثل نصيب ابنه ولا ابن له غيره فله النصف فإن لم يجز الابن فله الثلث».
قال في الحاوي: وهذا كما قال إذا كان للموصي ابن واحد، فوصي لرجل بمثل نصيب ابنه كانت وصيته بالنصف، وهو قول أبي حنيفة، وصاحبه فإن أجازها الابن، وإلا ردت إلى الثلث.
وقال مالك: وهي وصية بجميع المال. وهو قول زفر من الهذليين، وداود بن علي استدلالًا بأن نصيب ابنه إذا لم يكن له غيره، أخذ جميع المال فاقتضي أن تكون الوصية بمثل نصيبه وصية بجميع المال، ولأنه لما كان لو أوصي له بمثل ما كان نصيب ابنه كان ةصيى بجميع ماله إجماعًا. وجب له أوصي له بمثل نصيب ابنه أن يكون وصية بجميع المال حجاجًا. وهذا فاسد من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن نصيب الابن أصل، والوصية بمثله فرع، فلم يجز أن يكون الفرع رافعًا لحكم الأصل.
والثاني: أنه لو جعلنا الوصية بجميع المال لخرج أن يكون للابن نصيب، وإذا لم