فإذا ثبت هذا: فالوصية بخدمته ضربان: إما مقدرة بمدة ومؤبدة. فإن قدرت بمدة كأنه قال: قد أوصيت لزيد بخدمة عبدي سنة، فالوصية جائزة له بخدمة سنة. والمعتبر في الثلث منفعة السنة دون الرقبة، وفي كيفية اعتبارها وجهان:
أحدهما: وهو قول ابن سريج: أنه يقوم العبد كامل المنفعة في زمانه كله، فإذا قيل مائة دينار، قوم وهو مسلوب المنفعة سنة، فإذا قيل: ثمانون دينارًا فالوصية بعشرين دينارًا وهي خارجة من الثلث، إن لم يكن على الموصي دين.
والوجه الثاني: وهو الذي أراه مذهبًا أنه يقوم خدمة مثله سنة، فتعتبر من الثلث، ولا تقوم الرقبة، لأن المنافع الممتلكة في العقود والغصوب هي المقومة دون الأعيان. وكذلك في الوصايا: فإذا علم القدر الذي تقومت به خدمة السنة إما من العين على الوجه الأول، أو من المنافع على الوجه الثاني نظر، فإن خرج جميعه من الثلث، صحت الوصية له بخدمة جميع السنة، وإن خرج نصفه من الثلث، رجعت الوصية إلى نصفها، واستخدمه نصف السنة، وإن خرج ثلثه من الثلث رجعت الوصية إلى ثلثها، واستخدمه نصف السنة. وإن خرج ثلثه من الثلث رجعت الوصية إلى ثلثها، واستخدمه ثلث السنة، فإن كان في التركة مال غير العبد إذا أمكن الموصي له من استخدامه سنة، أمكن الورثة في تلك السنة أن يتصرفوا في التركة بما يقابل مثل العبد.
فللموصي له أن يستخدم جميع العبد سنة متوالية حتى يستوفي جميع وصيته. والورثة يمنعون من التصرف في رقبة العبد حتى تمضي السنة، فإن باعوه قبلها كان في بيعه قولان كالعبد المؤاجر.
وإن لم يكن في التركة مال غير العبد ولا خلف الموصي سواه. ففي كيفية استخدام الموصي له سنة ثلاثة أوجه حكاها ابن سريج:
أحدها: أن يستخدمه سنة متوالية، ويمنع الورثة من استخدامه والتصرف فيه حتى يستكمل الموصي له سنة وصيته ثم حينئذٍ يخلص للورثة بعد انقضائها.
والوجه الثاني: أن يستخدم ثلث العبد ثلاث سنين ويستخدم الورثة ثلثيه حتى يستوفى الموصي له سنة وصيته من ثلث العبد في ثلاث سنين، لأن لا يختص الموصي له بما لم يحصل للورثة مثلاه.
والوجه الثالث: أنه يتهيأ عليه الموصي له والورثة، فيستخدمه الموصي له يومًا، والورثة يومين حتى يستوفي سنة وصيته في ثلاث سنين:
والوجه الأول: أصح، لأنهم قد صاروا إلى ملك الرقبة فلم يلزم أن يقابلوا الموصي له بمثلي المنفعة، ولأن حق الموصي له في استخدام جميع العبد، فلم يجز أن يجعل من ثلثه، ولأن حقه متصل ومعجل فلم يجز أن يجعل مؤجلًا أو مفرقًا.
فصل: فإن كانت الوصية بخدمة العبد على التأييد كأن قال: قد أوصيت لزيد بخدمة عبدي أبدًا، فالوصية جائزة إذا تحملها الثلث.