أو من أحدهما لا يطهر جلده بالدباغ أصلاً وبه قال علي، وابن مسعود - رضي الله عنهما - وذكر ابن القطان وجهان، الجلد لا ينجس بالموت، وإنما الزهومة فيه تصير نجسة فيؤمر بالدباغ لزوالها كما يغسل من النجاسة، وهذا 30 أ/ 1 ليس بشيء؛ لأن كل جزء تحله الحياة تنجس بالموت.
وأما جلد الآدمي هل ليطهر بالدباغ؟ فيه وجهان. إذا قلنا إنه ينجس بالموت في أضعف القولين، وقيل: إنه لا يتأتى فيه الدباغ، وقال أبو حنيفة: يظهر جلد الكل بالدباغ إلا جلد الخنزير والإنسان.
ثم منهم من قال: عين الخنزير نجس في حال الحياة كمذهبنا. ومنهم من قال: عينيه طاهرة كعين الكلب، إلا أن جلده لا يقبل الدباغ؛ لأنه نبت الشعر في جلده من لحمه. وقال أبو يوسف: يطهر جلد الخنزير أيضاً، وبه قال داود. وروى هذا عن أبى حنيفة.
وقال مالك: يطهر ظاهر الجلد دون باطنه فيجوز الصلاة عليه ولا يجوز الصلاة فيه،
ويجوز استعماله في الأشياء اليابسة دون الرطبة، إلا الماء فإنه عنده لا ينجس الماء إلا بالتغير.
وقال الأوزاعي، وأبو ثور، وإسحاق: يطهر جلد ما يؤكل لحمه بالدباغ دون ما لا يؤكل.
وقال أحمد: لا يطهر جلد الميتة بحالٍ في رواية، وبه قال عمر وابن عمر، وعائشة - رضي الله عنهم-، وروى هذا عن مالك أيضاً.
وقال ابن المنذر: كان الزهري ينكر الدباغ، وقال: ينتفع بجلود الميتة على كل حال ما وسع الناس فيه قولا الزهري، ثم داود، ثم أبو حنيفة، ثم مالك، ثم الأوزاعي، ثم أحمد، والدليل على بطلان قول أبي حنيفة أن الكلب حيوان نجس العين فلا يطهر جلده بالدباغ كالخنزير.
وقول الشافعي 30 ب/ 1: لأنهما نجسان وهما حيان إشارة إلى الدليل. وهو أن الدباغ معالجة فتزيل النجاسة العارضة دون الأصلية، ونجاسة الكلب هي أصلية فلا ترتفع بالدباغ كما لا ترتفع بالحياة. والدليل على بطلان قول أبي يوسف أن الحياة هي أقوى من الدباغ، والحياة لا تطهر جلد الخنزير فالدباغ أولى أن لا يطهره. والدليل على بطلان قول مالك ظاهر ما ذكرنا من الخبر.
وروى عن سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - أنها قالت: ماتت شاة لنا، فأخذنا إهابها ودبغنا. وجعلنا منه قربة ننبذ فيها إلى أن صارت شناً. ومعنى ننبذ فيها: أي نطرح التميرات في الماء الذي فيها حتى نسكب ملوحته وتصير حلوى. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: توضأ رسول الله صلي الله عليه وسلم من قربة قيل له: إنها ميتة، فقال: "إن دباغها