حَضَرَ القِسْمَةَ أُوْلُوا القُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ} النساء: 8 وقد ذهب قوم إلى وجوبها لقوله تعالى: {وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} الإسراء: 26 وذهب آخرون إلى بطلانها للجهل بعددهم، وأن الناس كلهم قرابة، لن أبيهم يجمعهم.
وكلا القولين فساد، أما الدليل على أنها غير واجبة فما قدمنا من الآية. وأما الدليل على بطلان قول من قال إن الوصية للأقارب باطلة للجهل بعددهم فمنتقض بالزكاة، فإن الله تعالى أمر بإخراجها إلى أقوام لا ينحصر عددهم ثم هي واجبة.
فصل: فإذا ثبت جواز الوصية للقرابة فقد اختلف الناس في مستحق الوصية منهم عند إطلاق ذكرهم.
فقال أبو حنيفة: هم كل ذي رحم محرم. وقال مالك: هم كل من جاز أن يرث دون من لا يرث من ذوي الأرحام.
وقال أبو يوسف ومحمد: هم كل من جمعه وإياهم أول أب في الإسلام. وذهب الشافعي: إلى أنهم المنسوبون في عرف الناس إلى قرابته المخصوصة إذا كان اسن القرابة في العرف جامعًا لهم، لأن عرف الشرع في سهم ذي القربي لم يخص قريبًا من بعيد فبطل به قول أبي حنيفة حيث جعل ذلك لذوي الأرحام المحارم وبطل به قول أبي يوسف حيث جعله لمن جمعه أول أب في الإسلام، ولأن اسم القرابة ينطلق في العرف على ذوي الأرحام من العمات والخالات، فبطل به قول مالك، لأن مطلق كلام الموصي محمود على العرف شرعًا أو عادة وعرفها جميعًا بما قلنا.
فصل: فإذا تقرر أن ما انطلق عليه اسم القرابة عرفًا وهو المعتبر فاعتباره أن ينظر في الموصي، فإن كان عربيًا خرج منه العجم، ولم يدفع إلى كل العرب حتى يقال من أيهم، فإذا قيل من مضر، قيل: من أيهم ولم يدفع إلى جميع مضر، فإذا قيل من قريش لم يدفع إلى جميعهم وقيل: من أي قريش فإذا قيل بني هاشم لم يدفع إلى جميعهم وقيل: من أي بني هاشم.
فإذا قيل: عباس لم يدفع إلى كل عباس، وإن قيل: طالبي لم يدفع إلى كل طالبي.
فإذا قيل: في العباس منصوري: لم يدفع إلى جميعهم حتى يقال من بني المأمون، أو من بني المهتدي، فيدفع ذلك إلى آل المأمون وآل المهتدي.
فإن قيل: في المطلبي إنه علوي لم يدفع إلى جميعهم حتى يقال من أيهم، فإذا قيل: حسيني لم يدفع إلى جميعهم حتى قال من أيهم، فإذا قيل: زيد أو موسوي دفع ذلك إلى آل زيد وآل موسي.
وقد شبه الشافعي ذلك بنسبه، وسواء اجتمعوا إلى أربعة آباء، أو أبعد. وذهب بعض أصحابنا إلى أن من اجتمع معه من الأب الرابع كان من قرابته.
ومن اجتمع بعد الرابع خرج من القرابة، استدلالًا بأن الرابع جعل قرابة من اجتمع معه في الأب الرابع. وهذا خطأ؛ لن جعلهم قرابة اعتبارًا بالنسب الأشهر