ذكرناه، ولكن لو قال: أوصيت لزيد بهذه الجارية دون حملها، وأوصيت لعمرو بحملها دونها، صح وانفرد بالأم وعمرو بالولد، فعلي هذا لو أن زيدًا الموصي له بالأم أعتقها وهي حامل، عتقت ولم يسر عتقها إلى الحمل، وكان الحمل إذا ولد رقيقًا لعمرو وسواء كان معتق الأم موسرًا أو معسرًا، لأن الأم تتميز عن الولد وقد تميزا في الملك فلذلك لم يسر العتق.
فصل: وإذا أوصي الرجل بعبده لواحد من رجلين لم يعينه كانت الوصية باطلة. ولو أوصي لرجل بواحد من عبدين لم يعينه، كانت الوصية جائزة ودفع الوارث أيهما شاء.
وقال أبو حنيفة: الوصية لأحد الرجلين جائزة، كالوصية بأحد العبدين. ودليلنا: هو أن الوصية إنما تصح إذا كانت لموصي له إما بالنص أو بإطلاق اسم تدخل في عمومه، وليس في الوصية لأحد الرجلين نص ولا عموم اسم وإنما تدخل في العموم إذا قال: ادفعوا عبدي أي هذين الرجلين شئتم فتصح الوصية كلها. والفرق بين الوصية لأحد الرجلين وبين الوصية بأحد العبدين: هو الجهل بمستحقها في أحد الرجلين، والعلم بمستحقها في أحد العبدين.
وقد قال الشافعي في كاب «الأم»: ولو أن شاهدًا قال: أشهد أن أحد هذين الرجلين قتل زيدًا لم يكن لأوليائه أن يقسموا مع شهادتهم ولا يكون لوثًا، ولو قال: أشهد أن زيدًا قتل أحد هذين الرجلين كان ذلك لوثًا لمن ادعاه من أولياء المقتولين ويقسمون مع شهادتهم، وفصل بينهما بأنه إذا ثبت القاتل توجهت الدعوى عليه وإن لم يثبت المقتول وليس كذلك إذا لم يثبت القاتل، لأن الدعوى لا تتوجه عليه مع إثبات المقتول.
ومثله أن يقول على أحد هذين الرجلين ألف لم تسمع الدعوى منه ولو قال لي: على هذا الرجل أحد هذين المالين سمعت الدعوى منه توجهًا وأخذًا بالبيان تعيينًا.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: «ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان أو قد أوصيت بالذي أوصيت به لفلان كان هذا رجوعًا عن الأول إلى الآخر».
قال في الحاوي: وحكي عن المزني أنه لا يكون رجوعًا، ويكون العبد وصية لهما كما لو أوصي به للثاني من غير ذكر الأول وساعده على هذا بعض أصحابنا احتجاجًا بأنه لو وكل زيدًا ببيع سلعة سماها، ثم قال: قد وكلت عمرًا بما وكلت به زيدًا أنهما يكونا معًا وكيلين في بيعهما، ولا يكون لوكيل الثاني رجوعًا عن الأول مع ذكره فكذلك في الوصية.
وهذا فاسد: لأنه إذا صرح بذكر الأول عند الوصية به للثاني زال احتمال النسيان