قسم يكون غير مخوف: كوجع الضرس، ورمد العين، ونفور الطحال، وحمي يوم. فالعطايا فيه: من رأس المال، لأن الإنسان مطبوع على أحوال متغايرة ولا يبقي معها على حالة واحدة ولا يخلو في تغييره واستحالته، فإن أعطي في هذه الحالة كانت عطيته من رأس ماله، مثاله كالصحيح، وإن مات عقيب عطيته، لأن حدوث الموت بغيره فهذا هو قسم.
والثاني: حال المعاينة وحشرجة النفس، وبلوغ الروح التراقي، فلا يجري عليه فيها حكم قلم، ولا يكون لقوله حكم، لأنه في حكم الموتى وإن كان يتحرك حركة المذبوح، وكذلك من شق بطنه وأخرجت حشوته لا يحكم بقوله ووصيته في هذه الحالة، وإن كان يتحرك أو يتكلم؛ لأن الباقي منه كحركة المذبوح بعد الذبح.
والثالث: المرض المخوف الذي الحياة فيه باقية والإياس من صاحبه واقع كالطواعين، والجراح النافذة، فعطاياه كلها من ثلثه، سواء كان هبة أو محاباة أو عتقًا.
وقال داود بن علي: العتق كله من الثلث، للخبر فيه وما سواه من رأس المال.
وقال طاوس: العتق وغيره من رأس المال استدلالًا بعموم قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ} الحج: 77، ولأنه لما كان ما أنفقه من ماله في ملاذه وشهواته من رأس ماله. كان ما يتقرب به من عتقه وهباته ومحاباته أولى أن تكون من رأس ماله.
والدليل على فساد هذا القول قوله تعالى: {ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143)} آل عمران: 143. يعني به خوف القتل وأٍباب التلف وسماه باسمه لقربه منه، واتصال حكمه بحكمه، وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ} البقرة: 180.
يعني بحضور الموت ظهور دلائله ووجود أسبابه.
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم».
فأما استدلاله بنفقات ملذاته، وشهواته، فالجواب عنه: أن ما اختص به المريض من مصالحه، هو أحق به من ورثته، وما عاد إلى غيره من هبته ومحاباته، فورثته أحق به. فلذلك أمضت نفقاته من رأس ماله لتعلقها بمصالحة في حال حياته، وجعلت هباته من ثلثه لتعلقها بمصلحة غير ثم بنفسه بعد مماته فلم يكن له إلا ما جعلت له الشريعة والله أعلم بالصواب.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: «ومن المخوف منه إذا كانت حمي بدأت بصاحبها ثم إذا تطاولت فهو مخوف غلا الربع فإنها إذا استمرت بصاحبها ربعًا فغير مخوفة وإن