والثاني: لا تجوز، كما لا يجوز أن تقبل شهادة الكافر لكافر ولا مسلم، فهكذا لا يجوز أن يكون الكافر وصيًا لكافر ولا مسلم.
فصل: وأما الشرط الخامس: وهو العدالة: فلقوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ (18)} السجدة: 18.
فكان منع المساواة بينهم، موصيًا لمنع المساواة في أحكامهم، ولأنه لما منعه الفسق من الولاية على أولاده، كان أولى أن يمنعه من الولاية على أولاد غيره. وقال أبو حنيفة: الوصية إليه موقوفة على فسخ الحاكم، يمضي فيها تصرفه قبل فسخها عليه، كما قال في الكافر، وفيما مضي من الكافر دليل عليه في الفاسق. فإن قيل: فهلا جازت الوصية إليه كما جازت الوكالة له؟ قيل له:، لأن الوكالة تصرف في حق الأذن، والوصية تصرف في حق غيره فعلى هذا: لو أن رجلًا أذن لوكيله في التوكيل، فوكل الوكيل فاسقًا. ففي جواز وكالته وجهان:
أحدهما: لا يجوز، لأنه تصرف في حق الغير، فأشبه الوصية.
والثاني: يجوز، لأنه يقوم مقام الوكيل الأول الذي ليس من شرطه العدالة. فإذا ثبت أن العدالة شرط في صحة الوصية، فقد اختلف أصحابنا في الوقت الذي يراعي فيه عدالة الوصي على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يراعي عدالته عند موت الموصي، ولا يضر أن يكون فاسقًا عند عقد الوصية كما رتراعي عدالة الشاهد عند الآداء دون التحمل. وهذا قول أبي إسحاق المروزي.
والثاني: أنه يراعي عدالة الموصي في الطرفين عند الوصية وعند الموت، ولا يضر أن يكون بين الوصية والموت غير عدل، لأن وقت الوصية هو حال التقليد، ووقت الموت هو حال التصرف، فاعتبر فيهما العدالة، ولم يعتبر في غيرهما، وهذا قول أبي سعيد الإصطخري.
والثالث: وهو أصحهما أنه تعتبر عدالته من حين الوصية إلى ما بعد، لأن كل زمان منه قد يستحق فيه التصرف لو حدث فيه الموت، فإن طرأ عليه في شيء منه فسق، بطلت الوصية إليه.
فصل: فإذا تكاملت هذه الشروط الخمسة في شخص، كان موضعًا للوصية إليه، فجاز أن يكون وصيًا في مال أو على أطفال، سواء كان رجلًا أو امرأة. وحكي عن عطاء: أن الوصية إلى المرأة لا تصح، لأن فيها ولاية يعجز النساء عنها.
وهذا فاسد:، لأنها وإن كانت ولاية فالمغلب فيها الأمانة وجواز الشهادة وقد تجوز شهادة المرأة، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».